الثلاثاء: 2006.10.17



طلال سلمان

لم يسبق لرئيس حكومة إسرائيل، التي لا تزال تحمل صفة quot;العدوquot;، أقله بالمعنى القانوني، أن تجرأ على لبنان بالتخصيص إلى حد أن يوجه دعوة علنية إلى رئيس حكومته للالتقاء معه لقاء مسؤولين في lt;بلدين جارينgt;، يفترض أن تربط بينهما أواصر الجيرة والمصالح!!
ومع أن مكتب رئيس الوزراء في بيروت لم يتأخر في الرد على هذا التجرؤ، إلا أن مجرد أن تجول في خاطر إيهود أولمرت مثل هذه الفكرة، وأن يعلنها في خطاب أمام الكنيست، أمر يستدعي التفكير، ومراجعة التصرفات والأقوال والمواقف التي قد تكون شجعته على إطلاق هذه الدعوة المثيرة لمزيج من السخرية والحزن..
ليس أمراً عارضاً أن يتجرأ رئيس حكومة العدو، بعد شهرين فقط من lt;وقف العمليات العدائيةgt;، أي الحرب الإسرائيلية التي استهدفت الإنسان والعمران في لبنان، والتي lt;أعادت لبنان عشرين سنة إلى الوراءgt;، فيتوجه بمثل هذه الدعوة الفظة إلى رئيس حكومة البلد الضحية، وكأن الحرب سمحت بخرق المحرّمات وتجاوز الثوابت الوطنية..
ومن الضروري مراجعة ما يمكن أن يكون قد شجّع رئيس حكومة العدو على إطلاق مثل هذه الدعوة التي يعرف أنها لن تُلبى، وإن كان يفترض أن تحرّك lt;شيئاً ماgt; في لبنان، كأن تثير جدلاً، أو تشجع lt;قوى نائمةgt; أو تطرح الموضوع للنقاش وهذا أضعف الإيمان..
هل اتكأ أولمرت على تفسيره الخاص لموقف رئيس الحكومة من مسؤولية lt;حزب اللهgt; عن الحرب، وبالتالي عن نتائجها، خصوصاً ان الرئيس فؤاد السنيورة لم يأخذ بالتحليلات والدلائل والبينات القاطعة حول أن هذه الحرب كانت مقرّرة إسرائيلياً وأميركياً؟! وأن أسر الجنديين كان مجرد ذريعة للاندفاع إليها قبل التوقيت المحدد، وهذا ما يفسّر الارتباك الذي ساد أيامها الأولى؟!.. أما ما بعد ذلك فيعود إلى الصمود الجبار للمقاومين البواسل على الجبهة، وهو الصمود الذي منع إسرائيل من التقدم وتحقيق النصر الخاطف الذي كانت تأمل في إنجازه خلال أيام معدودة، إن لم يكن خلال ساعات... خصوصاً وقد زجت بقوات النخبة في جيشها تحت غطاء جوي كثيف النيران والتدمير ما تسبّب في إحراق وتهديم الكثير من مدن الجنوب وقراه وبعض ضواحي بيروت ومناطق عديدة في البقاع (بعلبك الهرمل خاصة) وأطراف الشمال الحدودية..
هل استشف أولمرت من تجنب الرئيس السنيورة أي حديث مباشر عن المقاومة ودورها البطولي خلال الحرب الإسرائيلية وإصراره الدائم على الحديث عن سلاحها بمعزل عن قضيته، وعن lt;بسط سيادة الشرعية وحدهاgt; على كامل التراب اللبناني، وكأن المقاومة تنتقص هذه السيادة، أو كأن سلاحها موجّه ضد الشرعية، بينما lt;العدوgt; الإسرائيلي يحاول عبثاً توسيع مساحة الأرض التي بالكاد تمكّن من احتلالها بإنزالات مكلفة جداً وغير ذات قيمة، عسكرياً، كما قال كبار المسؤولين الإسرائيليين آنذاك، ثم كما تأكد ذلك بمواقف رسمية بعد lt;وقف العمليات العدائيةgt;؟!
في أي حال، لقد أحسن الرئيس السنيورة بأن يرد على الفور، عبر مكتبه الإعلامي، وإن كان اللبنانيون قد توقعوا منه رداً أقوى بكثير، بالاتكاء على الموقف المبدئي ثم على النتائج الفعلية للحرب، كما يراها الإسرائيليون، يستوي في ذلك كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وتدني شعبية أولمرت إلى حدود الحضيض، كما تدل الاستفتاءات شبه الرسمية...
والرد الأقوى يتمثل، مبدئياً، في العودة إلى أساس الصراع ونتائجه. فما بيننا وبين إسرائيل سابق على حربها الأخيرة ضد لبنان بزمن بعيد يرجع إلى إقامة إسرائيل ذاتها وبالقوة على أرض فلسطين، وتشريد الشعب الفلسطيني الذي يعيش بعضه بين حنايانا منذ العام ,1948 والذي لا تفتأ إسرائيل تشرّد (أو تقتل) المزيد من أسره وعائلاته...
فليس بين إسرائيل ولبنان إلا الحرب، أقله من جانبها، ولولا المقاومة بكل مجاهديها الأوائل ثم الذين تمكنوا فأكملوا المهمة المقدسة وأنجزوا فأجلوا الاحتلال في العام ,2000 ما عدا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لكان الجيش الإسرائيلي ما زال يحتل بعض أرض لبنان وبعض إرادته.
ويبدو أن الاستعجال في الرد، لمنع الاستغلال المحتمل لدعوة أولمرت، قد قفز من فوق بعض الثوابت، وآخرها وليس أولها اتفاق الهدنة، ومعه أو قبله موضوع تبادل الأسرى.
في أي حال، فمن المفيد أن رئيس الحكومة قد أعاد التوكيد أن لبنان سيكون آخر دولة عربية توقع السلام مع إسرائيل... وهو مفيد لأن إسرائيل لا تريد سلاماً بل تريد استسلاماً، كما أكدت بحربها الوحشية على لبنان، والتي كانت تستحق الإشارة إليها بالإدانة، ولو في بيان مرتجل ومتعجل ومبتور.ذلك أن موقع رئيس الحكومة في لبنان قلعة للوطنية ومقاومة الاحتلال وصد الأطماع الأجنبية وتأكيد الهوية العربية للبنان الذي جعله صموده الأسطوري في الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليه قدوة تحتذى ونموذجاً يتخذه العرب (والمسلمون) قلادة في صدورهم وتاجاً من العزة فوق رؤوسهم وهم ينظرون إلى مستقبلهم.
ولكم تمنينا لو أن الرئيس السنيورة استوحى هذه المعاني في رده على من تجرأ، من موقع العدو، وبعد حرب وحشية هو المسؤول المباشر عنها فوجه إليه الدعوة إلى اللقاء فوق جثث ألف وأربعمئة شهيد و15 ألف منزل وعشرين سنة من عمر لبنان.
ليس الرئيس السنيورة بحاجة إلى شهادة في وطنيته، ولكن هذا التجرؤ الإسرائيلي عليه وعلى لبنان المقاوم كان يستحق رداً مضرجاً بدماء الشهداء الذين افتدوا لبنان وأعطوا حكومته وهجاً استثنائياً يجعلها أمنع على العدو... بقوة شعبها وتضامنه الذي عصمه من الانهيار الداخلي ومكّنه من إفشال الحرب الإسرائيلية مع كل ما حظيت به من إسناد... أميركي ومن جهات أخرى، كما لا بد يتذكر رئيس حكومة لبنان الذي صارت السراي في أيامه محجة بفضل الصمود الوطني العظيم!