غادي طاؤوف ـ معاريف

أثار تقرير بيكر ـ هاملتون عاصفة هوجاء في الولايات المتحدة. الأسباب لا تتصل بنا فقط، حتى أنها لا تتصل بنا في الأساس. يقول التقرير في الحقيقة ان سياسة الولايات المتحدة في العراق فشلت، وهو شيء لا تصعب رؤيته، لكن يصعب على ادارة بوش الاعتراف. الان تعترف الادارة ايضا شبه اعتراف.
على هامش العاصفة أثار التقرير ايضا عاصفة صغيرة بين مؤيدي اسرائيل. ذلك أن جيمس بيكر يرى ان علاج قضية العراق غير مستقل عن استراتيجية عامة تتصل بالشرق الاوسط، ولا تستطيع أي استراتيجية عامة تتصل بالشرق الاوسط تجاهل مسألة النزاع الاسرائيلي ـ العربي عامة، والنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني خاصة. يعتقد بيكر أنه يجب تقسيم أرض اسرائيل لدولتين على امتداد حدود 1967، واقامة سلام مع السوريين مقابل اعادة هضبة الجولان.
بيكر معروف بعلاقته غير الودية باسرائيل. لقد لوى ذراع اسحق شمير في بدء التسعينيات، وأرغمه على المضي الى مؤتمر مدريد، ولم يحجم عن تهديد اسرائيل والضغط على رئيس حكومتها على رؤوس الاشهاد.
لكن على الرغم من كل شيء، فإن تقرير بيكر لا يُعتبر بشرى سيئة. بل العكس. لم تنجح الادارات الصديقة لاسرائيل بحل مشكلة النزاع. في هذه المرحلة المتأخرة، يثور انطباع أن اسرائيل والفلسطينيين غير قادرين على الوصول الى حل وحدهما. الطرفان أسرى التشدد، وهما غير قادرين على احداث تحرك حقيقي.
اذا نظرنا في الصورة الكبيرة، فالوضع ليس سيئا كما ينعكس في مزاجنا الوطني العام. يوجد لاوروبا والولايات المتحدة ايضا مصلحة اطفاء حريق النزاع. تريد البلدان العربية المعتدلة الشيء نفسه، لتدفع عن نفسها الاسلام المتشدد. ما تزال مبادرة السلام السعودية مطروحة، وضاق القادة العرب المعتدلون أيضا ذرعاً بمطالب الفلسطينيين المتشددة. أي أن القوات خارج هذا القطاع الضئيل المتنازع تعمل في اتجاه اطفاء اللهب. ويمكن الآن سماع اصوات مستعدة بان تطلب الى الفلسطينيين دفع ثمن باهظ اذا لم يمضوا الى اتفاق: ادارة دولية فعلية لدولتهم. هذا معنى المقترحات الاوروبية ارسال قوة دولية الى غزة.
اسرائيل محتاجة بشكل ملح لحدود دائمة. ان خطر تردي الوضع ليصبح مثل بوسنة أبدية كبيرة أخطر من صواريخ القسام. اذا بقينا أسرى المتشددين قد نخسر امكانية الانفصال. وعلى المدى البعيد، سيجعلنا هذا الامر نقف في مواجهة مباشرة مع المصالح الامريكية، ومصالح الدول العربية المعتدلة، واوروبا. وفي الوضع الحالي، ستساعدنا ادارة امريكية مصممة، تفرض تسوية هنا، اكثر مما نحن قادرون على مساعدة أنفسنا. جميع الادارات الصديقة في السنوات الاخيرة، اشفقت كثيرا على المريض، ولم ترد ايلامه بمبضع الجراحة. يبدو أنه يحتاج الى طبيب اقل شفقة، من أجل ان يجري العملية الجراحية آخر الامر، التي قد يموت المريض في حال عدم إجرائها. جيمس بيكر طبيب من هذا النوع. وعلينا التعلل بالأمل في أن تتجه الولايات المتحدة الى اجراء هذه العملية الجراحية بنفس التصميم الذي أجرى به بيكر العملية الجراحية العقلية. عندما يُجري عليك اصدقاء جيدون جدا عملية جراحية يتبين أنهم قد يدعونك مع المرض.


ترجمة: عباس اسماعيل