عبد الرحمن الراشد
لا بد ان الرئيس المخلوع صدام حسين يضحك ملء قلبه وأخبار العراق تصله من زواره وسجانيه. نبوءته توشك ان تصبح حقيقة. حذّر لسنين ان إخراجه من الحكم يعني حربا اهلية وطائفية، وانه الضامن الوحيد لوحدة العراق. إما صدام أو الحرب الأهلية، هكذا ساوم المدافعون عنه حينها. خروجه يعني مجيء الطائفية والحرب الاهلية وفوضى عارمة ستدب في المنطقة.
الأحداث اللاحقة، منذ سقوطه، تشير الى الكابوس الذي خاف منه الجميع. الفرز الطائفي مستمر من تهجير وقتل، وملامح الحرب الاهلية تطل برأسها تحت شعارات مختلفة. فهل يدرك العراقيون انهم على شفير حرب مائة عام، وصومال جديدة؟ العراق بين الارهاب والطائفية، يا له من خيار رديء.
الارهاب أهون لأنه مهزوم حتى من دون الحاجة الى حملة اعلانية، فالقتل بالجملة في أسواق بغداد ودور العراق باسم السياسة، بلغ حدا اتحد الناس ضده على اختلاف فئاتهم وسيهزم كما قضي عليه في الجزائر وغيرها. لكن الخطر الأعظم يكمن في الطائفية لأنها تباع للعامة باسم الدين وفق طوائفهم وفرقهم وأديانهم. التنازع الطائفي له أن يعيش قرنا، أما الارهاب فلا.
وهنا نلوم المؤسسات الدينية على ما فعلته، أو سكوتها تجاه ما يفعله غيرها، مثل نشر البغض بين أهالي البلد الواحد باسم الدين والتاريخ. بعض رجال الدين الذين لا تهمهم المصلحة العامة نقلوا خلافات الناس من قومية مقيتة الى طائفية مقيتة أيضا.
ندرك ان الانتعاش الديني للناس جاء بعد حرمان ظالم مارسه البعثيون ضد المتدينين، ولكن ذلك لا يبرر التطرف، ففيه غرس لطائفية طويلة الأمد في شؤون الحياة، وعلاقات الجيران، والحكومة.
يوم سقط الاتحاد السوفيتي، فتحت أبواب الكنائس منهية حكم النظام الشيوعي الذي حرم الناس حقهم في عبادة الله، وازدهرت فورا الفرق الدينية، وخاف كثيرون من ان تسبب الحرية الجديدة انتكاسة للسلم المدني في مجتمع متعدد الاثنيات والأديان. لكن لأن الجهات الرسمية أحجمت عن تشجيع التحزب الديني تجاوز الروس تلك الفترة الصعبة، وصارت العبادة حقا للجميع من دون ان تتحول الى عقوبة للبعض.
على المرجعيات الشيعية دور كبير في منع الانهيار المستمر في العلاقات بين فئات المجتمع الدينية تحت مبررات طائفية، وأذكر المراجع الشيعية تحديدا، لأنها الأقدر والأكثر تأثيرا وتمثل الغالبية من السكان. الطائفية لن تحقق للشيعة او السنة تفوقا بمجرد الفصل بين السكان والمناطق أو محاولات إلغاء الطرف الآخر، كل ما تستطيع أن تحققه تدمير البنية الاجتماعية والتآلف الذي عاش ردحا حتى تحت القمع الشامل.
وربما لا يدرك من يجد في الطائفية وسيلة لتسلق السلطة، أو تجميع الأصوات، أو التعبير عن كبت طويل انها ليست الا بداية لتخريب جماعي لا يسلم منه أحد. فالطائفية السياسية في لبنان، رغم صغر مساحته ووضوح مطالب طوائفه، انتهت حروبا داخل الطوائف نفسها وبين القيادات التي كانت متحالفة. وتقسيم العراق طائفيا بداية لتقسميات داخل كل جماعة يدفعها التعصب الأعمى، أو التمويلات الخارجية، أو الثارات الشخصية.
التعليقات