جميل الذيابي
كثيراً ما أذكر في مقالاتي أن الشعوب العربية بعيدة عن التعاطي مع فقه الاختلاف، سواء أكان فكرياً أم ثقافياً أم اجتماعياً. فالاختلاف لدينا يعني laquo;القطيعةraquo; والمحاربة العلنية والخفية والتشهير، ولَكُم في بعض البرامج أو مقالات الكُتّاب مثالٌ حيٌّ على ذلك، وهو ما يعكس صورةً حيةً لطريقة تعاطينا مع الخلافات وكيفية تحويلها معاركَ وحروباً كلاميةً، ربما تصل إلى التشابك بالأيدي. ونتذكر كيف قضم أحد أعضاء البرلمان الأردني أذن زميله بسبب الاختلاف معه في موضوع عام خلال النقاش تحت قبة البرلمان.
وما حدث بين العراقييْن مشعان الجبوري وصادق الموسوي ضيفي laquo;الاتجاه المعاكسraquo; على قناة laquo;الجزيرةraquo; من خروج عن اللياقة وتبادل للشتائم، ما كاد يفضي إلى الاشتباك بالأيدي، أكبر برهان.
أستقبلُ الكثير من الردود على المقالات التي أكتبُها، ويجلب لي زملائي بعض التعليقات وردود الفعل عليها من مواقع تنشرها على laquo;الإنترنتraquo;، وبسهولة يمكنني أن أميّز من خلال تلك الردود والتعليقات توجهات الشخص السياسية وانتماءاته الفكرية وبعده الثقافي وموقعه الجغرافي.
أعتبرُ بعض تلك الردود خارجاً عن المألوف ولا يعرف لغة الحوار وكيفية تبادُل وجهات النظر، بل يعبّر عن انتماءات وارتباطات عاطفية لا تحمل سوى اتهام مَنْ يخالفه الرأي بمجموعة من المزاعم المضحكة.
ومن الطبيعي أن يكون من ضمنها الاتهام بالخروج عن الملة والارتماء في أحضان الفكر الغربي والعمل ضد مصالح المنطقة وأحلامها، وطالما أن التقويم مرتبط بانتماء عاطفي ومذهبي أعمى، فبالتأكيد لن يكون موضوعياً، وإنما ينضح بالعواطف التي تميزنا في الشرق الأوسط دون غيرنا عند تناولنا القضايا المهمة وتبادُل وجهات النظر فيها.
نعم، أختلفُ مع بعض هؤلاء laquo;المعلّقينraquo;، وهو أمر laquo;صحيّraquo; قبل أن يكون laquo;طبيعياًraquo;، لأن تعدُّد وجهات النظر هو الأصل، كما أؤمن بحقهم في إبداء وجهات نظرهم وآرائهم ومواقفهم بالطرق والوسائل التي يرونها مناسبة، لكن ما يجب أن نؤمن به جميعاً ونتعلمه، هو أنّ تبايُن واختلاف وجهات النظر لا يعني إقصاء أو إلغاء الآخر أو عدم الاستماع لوجهة نظره، سواء أكانت سليمة أم ركيكة.
إن مصيبة المجتمعات ولوثتها الحقيقية هي انتشار ما يُسمّى الإلغاء أو الإقصاء للآخرين، وتكميم الأفواه عبر التهديد والوعيد وَكَيْل الاتهامات laquo;الكاذبةraquo; الحاقدة، التي لا تدل سوى على غياب الوعي والعقل لدى البعض، وهو ما يشكّل أزمة الشارع العربي ومحنته تجاه قضاياه المصيرية وقراءة اللحظة السياسية والحفاظ على أمن الشعوب ومصالحها.
لا نختلف مثلاً مع سعي إيران وسخائها المالي لكي تنقذ نفسها وتبطئ معركتها المقبلة مع الولايات المتحدة، لكن ليس على حساب تهديد جيرانها وتفجير عراقنا ولبناننا داخلياً. نعلم أن واشنطن ليست الأم الحنون، كما أن إيران ليست الأب البار، فالكل يبحث عمّا يخدم مصالحه وأهدافه واستراتيجياته.
ويتساءل مواطن عربي: لماذا لا يعمل العرب للاستفادة من التناقضات والاختلافات بين واشنطن وطهران لما فيه مصلحتهم، بدل الاصطفاف مع الأميركيين أو الإيرانيين؟ هل هو غباء أم أن العرب لا يملكون من زمام الأمر شيئاً؟ وآخر يقول: إن مَنْ يتابع الأخبار السياسية في السنوات الأخيرة يعرف كيف هي حال التخبط وركوب المطبات في وضح النهار، وهو ما يدل على أن العرب laquo;مُسَيّرون لا مُخَيّرونraquo;، وفق استراتيجيات دولية تخدم مصالحها لا المصالح العربية.
أكترثُ كثيراً برأي كل مَنْ يتفق أو يختلف معي، لأننا جميعاً نبحث عن مصلحتنا العربية، لا أن نستمر في مسلسل تخوين بعضنا وزَرْع ألغام الاتهامات لبعض.
دَوْر المخابرات الإيرانية في المنطقة العربية بات واضحاً وبيّناً، لا تزيغ عنه العيون إلا المصابة بـ laquo;عمى الألوانraquo;، فكم هي جادة في مساعيها لتفتيت الهُوية العربية والتمدد والاستيطان في بلداننا، والثورة على الحكومات العربية الحالية عبر الدفع بسخاء للحركات والأحزاب لقيام ثورة أشبه بالثورة الخمينية.
وفي مقالة سابقة عنونتها بـ laquo;خطورة البترو- دولار الإيرانيraquo;، أوضحت مخاطر الدور الإيراني في المنطقة ومطامعها وطموحاتها. أؤمن بأننا بالحوار وتبادل وجهات النظر المنطقية يمكننا التوصل إلى منطقة وسط ترضي الكل، وتقودنا إلى تأسيس فقه الحوار الذي نحتاج إليه جميعاً.
التعليقات