كلايتون اي. سويشر - الديلي ستار
استهدفت جولة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الأخيرة في الشرق الاوسط اقناع ما يسمى بـquot;الدول العربية المعتدلةquot;، وهي مصر والاردن والسعودية، بأن الولايات المتحدة باتت أخيرا مستعدة، بعد ست سنوات من الوعود، لمساعدة الفلسطينيين في اقامة دولتهم. وفي الوقت الذي يتم فيه الترحيب بالوساطة الاميركية المخلصة، استقبل الكثير من العرب رايس بكثير من الشك المبرر، متسائلين عن السبب في رغبة إدارة بوش المتعاطفة مع اسرائيل في التشمير عن ساعديها الآن لمساعدة الفلسطينيين.
لقد ولدت ست سنوات من الوعود الفارغة الكثير من الشك. وكانت الدعوات كافة التي وجهت في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر-أيلول 2001 لقيام دولة فلسطينية، والضغط الذي مارسه الرئيس جورج بوش على رئيس وزراء اسرائيل في حينه ارييل شارون لإنهاء الحصار الاول لياسر عرفات في مقره في رام الله عام 2002، وحتى خارطة الطريق لعام 2002 للسلام، قد اعتبرت ليس اكثر من محاولات لإرضاء المجتمع الدولي، خاصة الدول العربية المعتدلة، بغية اعداد العدة للحرب على العراق. ومن دون التعاون العربي، فإن الخطط الاميركية لاسقاط صدام حسين كانت ستنتهي محفوظة رسميا في الأدراج نفسها التي قبع فيها الشأن الفلسطيني.
في الحالات التي اختارت فيها ادارة بوش التركيز مؤقتا على فلسطين، هرعت وسائل الاعلام الدولية الى امتداح الالتزام الاميركي على امل ان يتبع ذلك مد الايدي للمساعدة. وقد كان هذا صحيحا على وجه الخصوص عندما انتهت انتخابات الرئاسة الاميركية في عام 2004. وكان من المتوقع ان يكافئ الرئيس بوش حلفاء الائتلاف الذين جابهوا العراق بتقديم الدولة الفلسطينية التي غالبا ما وعد بها.
ثم جاء اعلان شارون في عام 2004 ان إسرائيل ستفك الاشتباك مع قطاع غزة من جانب واحد في عام 2005. وهي خطوة اتاحت لادارة بوش التركيز على العراق، متجاهلة الضغوطات التي ولدتها اقتراحات السلام الفعلية والأصيلة في المنطقة، وتحديدا مبادرة جنيف غير الرسمية بين الاسرائيلي يوسي بيلين والفلسطيني ياسر عبد ربه. وبالرغم من ان خريطة الطريق دعت الى إقامة دولة فلسطينية مؤقتة على الاقل مع حلول عام 2005، فإن الادارة ظنت ان بادرة شارون quot;الكريمةquot; ستضع المسؤولية على كاهل الفلسطينيين.
لكن العالم العربي خشي أن تكون quot;غزة اولاquot; هي quot;غزة أخيراquot;. وكانت رايس قد زارت المنطقة في تشرين الثاني - نوفمبر من عام 2005 لتأمين الاتفاق على حركة وصول المساعدات لبعث الحياة في غزة. وما تزال الاتفاقية غير منفذة. والمبرر هذه المرة هو ان الانتخابات الفلسطينية أفضت الى فوز حماس بالرغم من التعهد الاميركي السابق بدعم التوجه العربي إلى الديمقراطية والتطلع للحرية.
وفي الاثناء، لم تعارض الدول العربية المعتدلة الرد القاسي الذي قادته الولايات المتحدة على فوز حماس. وطبقا لتفسيرها، فإن نجاح حماس سيعزز ويعمم فوز الاخوان المسلمين او غيرهم من الاسلاميين الذين يهددون أنظمة حكمها. وعندما فشلت الجهود لحمل الفلسطينيين على اسقاط حكومة حماس، شرعت الادارة في اتخاذ خطوات غير ديمقراطية وأكثر هجومية. وفيما توقفت المباحثات الخاصة بتشكيل حكومة وحدة من حركتي حماس وفتح، قررت الولايات المتحدة انها ستسلح الجانب المؤيد لها في حال فشلت السياسة. ولعل تحويل الاموال وتدريب الحرس الرئاسي للرئيس محمود عباس، بينما تقوم بلدان عربية بتزويده بالأسلحة، كانت اوضح اشارة على ان الولايات المتحدة توقعت أن تتمكن فتح من الإطاحة بحماس.
خلف القضاء على حماس واعتراض نجوم الحركات الاسلامية السنية تكمن القوة البارزة للشيعة المسلمين ونفوذ ايران المتسع في عموم المنطقة، من العراق الى لبنان والى فلسطين. وفيما تدرك ادارة بوش ان النجاح في العراق قد لا يتحقق أبدا، ومع تزايد الضغوط محليا ودوليا من أجل خلق صدقية اقليمية عبر حل القضية الفلسطينية، فقد بات على الولايات المتحدة ان تتطلع الى طريقة جديدة لتشكيل ارثها، ولا تشكل فلسطين ذلك الارث. وكما اظهرت تجربة فيتنام، فإن القوى العظمى التي تواجه بالهزيمة عادة ما تعمد الى جعل الأمور أسوأ، موسعة من حدة الصراع تحت ذريعة الانسحاب بشرف.
إن أميركا لا تحتاج بالضرورة الى اخذ زمام القيادة فيما يجري النقاش حول وجود اسرائيل. ولا ترتكب خطأ، اذ لا يوجد اي سياسي اميركي، بمن في ذلك الديمقراطيون، ممن سيحتج على الممارسات الإسرائيلية بمجرد أن تعرض ملفها المتضمن ان ايران باتت على وشك صنع سلاح نووي.
ومع تبقي سنتين لها في البيت الابيض، فإن ادارة بوش تريد ان ترى النظام الايراني وقد أصبح أكثر تواضعاً، هذا إذا لم يسقط. ذلك ان المحافظين الجدد الذين سلطوا نظراتهم على ايران قد انتعشوا بالترتيب الجديد الذي تصطف فيه دول عربية وإسرائيل في صف واحد عندما يتعلق الامر بمواجهة برنامج تخصيب اليورانيوم الايراني. وهم يريدون جميعا ان يقوموا بعمل معاً، بما في ذلك مع اسرائيل التي تمتلك الدافع والوسائل لضرب اهداف ايرانية بواسطة غارات جوية. لكن المعتدلين العرب يطالبون باحراز تقدم في الموضوع الفلسطيني للاحتفاظ ببعض المشروعية، وبالتالي تجنب الإحراج الشعبي.
السؤال الذي يجب ان يطرح الآن هو: الى اي مدى سيقوم المعتدلون العرب بخفض السقف؟ وهل ستكون الإيماءات الخطابية العربية كافية كما كان الحال قبل حرب العراق؟ وهل سيقتنع التكتل المعادي لإيران بتعهدات بفتح معبر quot;كارنيquot; في قطاع غزة هذه المرة، وباضفاء لمسات quot;انسانية على نقاط التفتيشquot; عن طريق طلائها بألوان جديدة؟ وهل سيساعد المعتدلون العرب رايس في تغذية عباس بالأنابيت فيما يتعلق بفكرة قبول دولة ذات حدود مؤقتة وسيادة اسمية على طول مسار جدار الفصل الاسرائيلي؟
سيكون الفارق هنا هو ان الفلسطينيين يريدون، بل يحتاجون إلى وضع حد للصراع والاحتلال حتى يواصلوا حياتهم، بينما يريد المعتدلون العرب واسرائيل، والاكثر اهمية الولايات المتحدة، احتواء المشكلة الفلسطينية، على الاقل حتى يتم البت في امر ايران. ومع حلول ذلك الوقت، فإن فلسطين ستصبح معضلة أخرى ينبغي على الادارة اميركية التعامل معها.
التعليقات