السبت 10 فبراير 2007
د. حسن مدن
لابد من وقفة أمام الطرح الذي يطل علينا بين الفينة والأخرى، والذي تتردد أصداؤه في منتدياتنا وملتقياتنا حول ما يطلق عليه توصيف: ldquo;الهوية الخليجية. وكثيراً ما يدور الحديث عن هذا الأمر على ألسنة من يمكن أن نصفهم بالنخبة من الأكاديميين والمثقفين والكتّاب من أبناء المنطقة، الذين يفترض فيهم أن يكونوا الأكثر وعياً وإدراكاً للمزالق التي يمكن أن يؤدي إليها تكرار هذا المفهوم أو المصطلح.
لسنا ننكر أن كل منطقة من المناطق يمكن أن تمتلك خصوصيات معينة تميزها في بعض الأوجه عن المناطق الأخرى، فبين دول المغرب العربي، مثلاً، من المشتركات والمتشابهات ما يجعلها تمثل حالة مختلفة عن تلك التي يمكن أن نجدها في المشرق العربي أو في الخليج، وبين دول الإقليم الخليجي مشتركات ومتشابهات يمكن أن تجعل منها حالة خاصة أو مختلفة، وليس هناك ما يعيب في التأكيد على الخصوصيات ومحاولة فهمها وفي البحث فيها وفي خلفياتها التاريخية والثقافية والنفسية، لكن ما نحن بصدده عند الحديث عن الهوية الخليجية هو ذلك الميل المرضي، بفتح الميم، نحو إبراز حالة من الاستعلاء والرغبة في التمايز عن بقية الشعوب التي تجمعها الهوية العربية الإسلامية المشتركة، كما لو أن الخليج بسبب الثراء المتاح فيه حالياً والناجم عن عائدات النفط يريد أن يعطي نفسه حالة خاصة في محيطه العربي الإسلامي، قائمة على وهم زائف بأفضليات عائدة له، ليس لها في الواقع سند جدي، فضلاً عن آثارها المدمرة في إضعاف الشعور بالعوامل التي تشدنا وتوحدنا مع بقية أشقائنا العرب الآخرين الذين ربما يفوقوننا في ميراث التراكم الثقافي والاجتماعي الذي أسسوا له مبكراً يوم كانت هذه المنطقة نسياً منسياً.
هناك من يعزو هذا الأمر إلى حالة دفاعية مبررة، على الأقل من وجهة نظر نفسية، إزاء نظرة شائعة في المحيط العربي الأشمل تجاه الخليج وأبنائه، فحواها أنه ليس في هذه المنطقة سوى ثروة النفط التي جلبت ثراء سريعاً مفاجئاً ومبالغاً فيه، وأنها خلو من الطاقات والمواهب والخبرات في مجالات المعرفة والإبداع والثقافة، وأن الرغبة في التأكيد على أن ldquo;الخليج ليس نفطاًrdquo; فقط تدفع إلى مبالغة في التأكيد على أوجه تفوّق موجودة في هذا الخليج، لا تقابلها نظائر في البلدان العربية الأخرى. ولكننا إذا كنا نزدري أية نظرة دونية تجاه شعوب هذه المنطقة، فإننا نزدري بالمقدار نفسه أي مساع لإظهار شعوبها بما ليس فيهم من خصوصية وفرادة. ففي نهاية المطاف، ليست هذه الشعوب سوى جزء من الأمة العربية التي تتشكل من الشعوب العربية مجتمعة، وان لا سياق ثقافياً أو حضارياً مختلفاً للخليج وأهله عن السياق الثقافي والحضاري العربي الشامل.
إذا ما قدر للطرح المغلوط وغير الصحي لمفهوم ldquo;الهوية الخليجيةrdquo; أن يأخذ مداه، فسنجد أنفسنا بعد حين مشغولين بتفكيك هذه الهوية إلى مكوناتها، أي إلى مجموعة هويات فرعية، فيبدو منطقياً، والحال كذلك، أن يدور الحديث عن هوية كويتية وأخرى سعودية وثالثة إماراتية ورابعة عمانية.. إلخ، في اتجاه إبراز خصوصيات وفرادة كل هوية من هذه ldquo;الهوياتrdquo;، فما المانع من ذلك، فطالما ارتضينا تفكيك الأصل، فلِمَ لا نمضي قدماً في تفكيك المكونات الجزئية، فلا نعود بعد ذلك نبصر الموحد والجامع، وإنما المفرّق والمجزئ!
التعليقات