الخميس 15 فبراير 2007


القاهرة ـ صبحي موسى، القبس
انتهى العرس الشعري الكبير بفوز الشاعر الفلسطيني الكبير محمود دوريش بجائزته، التي لا تعد الأكبر ماليا في الثقافة العربية، لكنها الأكبر من حيث القيمة المعنوية، فمن خلالها سيكون أميرا للشعر العربي لمدة عامين، ومن خلالها سيكون الأول من الشعراء العرب الذي حصل عليها مثلما حصل عبدالرحمن منيف منذ سنوات عدة على الجائزة الأولى للرواية العربية، لكن هذا العرس لم يمر من دون مواجهات وأحداث ساخنة، حتى انه يكاد يكون قد احدث شقاقا في الداخل والخارج أكثر من كونه أحدث تلاحما، ليس بسبب الجائزة وحدها، ولكن بسبب جملة من الاحداث توافقت مع حدوث المؤتمر، وربما يكون الشقاق الداخلي أعمق وأكثر وضوحا، لأن الشعر المصري ـ وتمثيلاته الحقيقية ـ بشتى أجياله ومدارسه غاب عن عمد من كلا الطرفين، سواء المؤسسة أو الشارع الثقافي، بل ان ملفات صحفية وثقافية تجهز الآن للرد على موقف المؤسسة شبه المتعنت ضد التمثيل الحقيقي للشعر المصري، ليس في هذا المؤتمر، ولكن في غيره من الاحداث التي ابرزها المؤتمر، ولا نعرف هل هذا الوضع المتلغم أحدثه جابر عصفور الذي ترك منصبه من أمانة المجلس بانتهاء المؤتمر أم انه مصادفة أرادت الأيام ان تقولها كنتاج لفعل سنوات طويلة قضاها عصفور في منصبه مديرا رسميا للثقافة المصرية؟
لم تحدث مقاطعة لمؤتمر ـ رغم كثرة المقاطعات ـ مثلما حدث لهذا الملتقى الشعري، فقدغاب جيل السبعينات بكامله ما عدا محمد سليمان وحسن طلب، وغاب جيل الثمانينات ما عدا علي منصور، اما التسعينات فلم يحضر أحد، لأن المؤسسة لم تدرج أي منهم على الاطلاق.
مفاجأة الداخل
فمن جيل السبعينات تغيب من المشاركين عبدالمنعم رمضان وحلمي سالم، ومن جيل الثمانينات لم يذكر سوى منصور، ورغم ان الجيلين الأخيرين حضرا كمتفرجين ساخرين من كل شيء غير ان جيل السبعينات تغيبوا عن عمد واضح، وليس هناك سوى ما تردد عن كونهم أرادوا إحداث ضغوط على الأمين جابر عصفور، لكن علام كانت الضغوط؟ فهذا ما لم يعرف بعد ولعله لن يعرف، لأن عصفور ترك موقعه من اليوم الى المركز القومي للترجمة الذي أنشئ حديثا، بينما سيتولى المهمة من بعده الناقد السينمائي علي أبو شادي. اما جيلا الثمانينات والتسعينات، فالأمر جلي وواضح لأن المؤسسة هي التي أغفلتهما، وحسبما قال عصفور ـ لشعراء النثر ـ ان الأمر متعلق بالشاعر الكبير عبدالمعطي حجازي، الذي لا يحب قصيدة النثر ومازال يمارس اضطهاده لها. ومن ثم فقد أضمر الجميع الهجوم على المؤتمر وعلى لجنة الشعر، وقرروا اتخاذ موقف يعلنون من خلاله ان ما تصدره المؤسسة من شعراء لا يزيد على كونه تمثيلا رسميا لا ينم عن الفعل الحقيقي للثقافة المصرية، بل انه أضعف من أن يكون تمثيلا.
مطر مفاجأة
يبدو ان ما نشرته 'القبس' بعد ان علمت ان الجائزة ذهبت بالاجماع لدرويش قد أحدث ارتباكا لدى اللجنة التي تسربت اخبارها رغم ما اشاعوه من تكهنات عن قوة موقف سعدي يوسف، ومن ثم فقد اجتمعوا في يوم النشر واعادوا الأوراق من جديد دافعين باسم الشاعر المصري الكبير محمد عفيفي مطر، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل انعقاد المؤتمر، فقد رشحت لجنة الشعر وعلى رأسها حجازي وأبو سنة وشوشة ومحمد عبدالمطلب ومطر وآخرون أربعة اسماء هي درويش وسعدي وحجازي وأدونيس، ولم يدفع أي منهم باسمه حتى ان مطر تحرج ان يكون هو الدافع باسمه بنفسه، ومن ثم فقد غضب ورد على تجاوزهم له بتجاوز كل شيء والذهاب للاسترخاء في قريته ابان فترة المؤتمر، نقول انه بدفع اسم مطر حدث اختلاط في الأمر، حسبما سرب احد اعضاء لجنة التحكيم ما حدث قبل اعلان الجائزة بدقائق، فقد تجاوز التصويت لمصلحة مطر التصويت لسعدي وحجازي وحقق مفاجأة لم تكن مطروحة، فأعيد التصويت من جديد بينهما، وفاز درويش بفارق بسيط، ولعلنا اذا راجعنا اسماء لجنة التحكيم نعرف ان تكوينها لا يقول الا بذهاب الجائزة لشخص بعينه ومن ثم فاز بها، والاسماء هي صلاح فضل رئيسا وحمادي صمود وريتا عوض، وشربل داغر وعبدالنبي اسطيف وعلوي الهاشمي ومحمد حماسة عبداللطيف ومحمد شاهين ومحمد فتوح احمد ومحمد بدوي امين سر للجنة.
مأزق الخارج
المأزق الخارجي تمثل في ما قاله حجازي في حفل الافتتاح، فقد قال ان مصر قديما لم تكن بلد الشعر لان اللغة العربية كانت غريبة عليها، ولم تقدم منجزا شعريا في العصور الوسطى لان اللغة العربية لم تكن وجدانها في ذلك الوقت، لكنها في العصور الحديثة اصبحت مركز الشعر ومنطقته الاهم والكبرى. ويبدو من حديث حجازي انه تحدث عن الجزء الاول من القرن العشرين، لكن المفسرين قالوا انه كان يقصد فترته وصلاح عبدالصبور وما بعدهما، ومن ثم حدثت خلافات ظاهرة او معلنة ما بينه وبين درويش وسعدي اللذين غضبا بشدة، لم يمر اليوم الاول حتى زاد الغضب لان درويش ضغط على سعدي في المجيء، وهو الذي اقنعه بذلك، لكنه فوجئ انه ينافس درويش ابن الستين عاما بينما هو تجاوز الرابعة والسبعين، بل والاكثر ان درويش جاء ليأخذ الجائزة، لم يستطع مهندسو الثقافة المصرية ان يجمعوا بين هذين القطبين لولا ما حدث من تدخلات اخرى كالتعاقد على طباعة الاعمال الكاملة في قصور الثقافة المصرية، ومن ثم كان درويش حصيفا حين قال مع تسلمه الجائزة انه ليس وحده الذي يستحقها لكن كثيرون، وهو اذ يتسلمها فهذا بالنيابة عنهم وليس فوزا عليهم، وان لهذه الجائزة بعدا سياسيا ليس خافيا على الجميع، وهو ان الاخت الكبرى مصر تمنحها للصغرى فلسطين التي تقول لها مدي يدك وانقذينا من حاضرنا المغمى عليه نحو مستقبل افضل. لكن جملة حجازي ظلت هي الاقوى والاكثر اثارة لغضب يبدو انه سيظل لامد طويل، وليس ادل على ذلك من انسحاب بعض الشعراء العرب وبقائهم في الفندق دون الحضور اللهم الا حفل الختام.
عهد جديد وصفحة جديدة
ربما يتسلم في الساعات القليلة القادمة الامين الجديد للمجلس الاعلى للثقافة، وهذا بدوره سيحدث عددا من التغييرات التي تتبع مجيء كل رئيس، لكن هل يعلم الامين الجديد بما هو مقبل عليه من وضع متوتر بين المثقفين والمؤسسة؟ هذا هو السؤال الذي سيجيب عنه بنفسه من خلال وجهة نظره للامور، ربما يكون من الصالح ان يكون بعيدا عن مجال الشعر والنقد وزمن الرواية وزمن الشعر، ربما يكون من الصالح عدم الانحياز المسبق لجماعة ضد اخرى، لكن المؤسسة ليست فكر رجل مهما اتسعت مداركه وزادت ثقتها فيها، من ثم فالمتفائلون لا يتوقعون تغير النهج كثيرا وان تغير الاسلوب والرجال، فالمؤسسة لا تستوعب فكرة تبني نصا ليست له قواعد وقوانين، لا تحب العمل كيفما اتفق وكيفما صارت الاهواء، خاصة ان الامين الجديد - علي ابوشادي صاحب معركة قديمة وشهيرة، حين حدثت ازمة الروايات الثلاث واطيح به من منصبه في اربع وعشرين ساعة، رغم ما قدمه في هذه الفترة القليلة من انجاز، والمثل المصري يقول 'من لسع من الشوربة ينفخ على الزبادي'، فهل يمكن ان ينسى الامين الجديد ما حدث قديما ويستقبل الامر على انه صحفة جديدة وعهد جديد؟ ام انه 'كيف اعاودك وهذا اثر فأسك في رأسي'؟ هذا ما ستجيب عنه الشهور القادمة.