سجن لاقتحامه شقة شاهد في جريمة اغتيال الحريري.. ويستنكر عدم تضامن منظمات صحافية معه


سناء الجاك


لا يزال المراسل في تلفزيون laquo;الجديدraquo; اللبناني (نيو.تي. في) فراس حاطوم يعيش أجواء الشهرة الطالعة من خلفية اعتقاله 45 يوما بتهمة ارتكاب جناية السرقة الموصوفة داخل شقة الشاهد السوري محمد زهير الصديق (في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري) بعد دخولها تسللا وأخذ بعض موجوداتها والعبث ببعض المحتويات. وذلك في اطار عمله لتنفيذ تلفزيوني.
ويأمل فراس ان تكون هذه الشهرة فاتحة لنجاحات مهنية مقبلة يعتبر انه يستحقها كما قال في حديث لـlaquo;الشرق الاوسطraquo; وفي ما يلي نص الحوار الذي تم في بيروت: gt; هل كنت تتوقع ان يقودك ما فعلته الى السجن؟

ـ عندما بدأت بتنفيذ الفكرة كان همي محاولة الوصول الى حقيقة زهير الصديق ومدى صحة ما ادلى به الى لجنة التحقيق الدولية كشاهد في هذه القضية. ولم يكن الهدف اظهار براءة فريق او مسؤولية فريق آخر. ولكن الاستقصاء قادنا الى تفاصيل فيها الكثير من المبالغة والتناقض. وكنت اتوقع الأسوأ في كثير من الاحيان. ولم استبعد ان اسجن، ليس في لبنان وانما في سورية. وتوقعت ان يتم التعرض لأهلي. لكن ان اعتقل بأمر من القضاء اللبناني... هذا الامر لم يخطر ببالي.

gt; لماذا توقعت الخطر من سورية مع ان الجزء الذي تم عرضه والذي صور في دمشق لا يحمل ما يشير الى ما يستدعي التعرض لك من قبل جهات سورية؟

ـ في سورية مثلا خفت ان استدرج او يتم التعرض لي ولفريق العمل، لا سيما عندما تمكنت من تسجيل الحديث الهاتفي بين زهير الصديق وأخيه، وفيه ما يشير الى علاقته بالمخابرات السورية، عكس ما كانت اجهزة المخابرات تصرح، اضافة الى اشارات عديدة قد لا ترضى عنها هذه الاجهزة. فقد تعمقت كثيرا في الموضوع وحصلت على معلومات قد تحرج بعض الاطراف. لكنها لا تفيد الصديق بالضرورة.

gt; لماذا لم نشاهد هذه المعلومات حتى الآن؟

ـ سمعت الكثير من التعليقات على الموضوع. وحاول بعض الناس اظهاري وكأن هدفي ان ابرهن كذب زهير الصديق. الامر ليس صحيحا. فالمعلومات التي سترد في الحلقة الثانية من العمل ستبين ما اتحدث عنه. في البداية كان الاتفاق الاساسي ان أجري مقابلة مع الصديق وان احصل منه على بعض المستندات. طلب ان تكون المقابلة مباشرة على الهواء. وافقت ادارة التلفزيون على ذلك، وعملنا على حجز استديو في باريس بغض النظر عن التكاليف الباهظة. لم أجد لديه الادلة التي احتاجها. لو اعطاني مستندات لم أكن لأضطر للذهاب الى سورية.

gt; كيف يمكن ان تحصل على مستندات في تحقيق سري ومن شاهد يحظى بحماية دولية؟

ـ لم أطلب منه مستندات تتعلق بجريمة الاغتيال او مستند يظهر عمله مع المخابرات. كنت اريد ما يساعدني على تسليط الضوء على شخصيته. وعندما طرحت الفكرة قيل لي: مستحيل ان يقابلك. لكني كنت اشعر بأن هناك فرصة للنجاح على رغم انه فرض شروطا جديدة بعد الاتفاق الاولي. فقد اقترح ان نلتقي في مطعم لنتعارف من دون معداتنا التي حجزتها القوى الامنية الفرنسية من ضمن الاجراءات الروتينية في مثل هذه الحالة، على اعتبار انه شاهد في قضية اغتيال. الا اني تمكنت من التقاط صورة للقائنا، تحولت الى دليل على اني قابلته.

gt; لنعد الى عنصر المغامرة في عملك. لماذا لم تكن تتوقع ان تسجن بسبب اقتحامك الشقة؟

ـ لسبب بسيط وهو اني كنت اطلع المراجع القضائية المختصة على الخطوات التي نقوم بها في اطار التحقيق الذي ننفذه، من باريس الى خلدة والى دمشق. فقد حرصت على تزويد القضاء اللبناني بالمعلومات التي كنت أحصل عليها وذلك من باب المبادرة والمساعدة الايجابية، لاعتقادي ان بعض المعلومات قد تفيد حتى لو لم تظهر على الشاشة.

gt; لماذا بادرت الى تقديم معلوماتك الى القضاء؟ هل كنت تخضع لرقابة ما ام انك تبرعت لتقوم بدور المخبر؟

ـ لا اريد ان يفهم تصرفي خطأ. كنت اريد ان اساعد في الملف بمعلومة ما، إضافة الى تحقيق سبق صحافي. صحيح اني لست مخبرا. لكني لا استطيع ان أعمل على قضية وطنية بهذا الحجم بشكل حيادي. فأنا لبناني قبل أي اعتبار. gt; كيف تصرفت فور اعتقالك؟ ـ اعتبرت ان أي كلمة أقولها او أي تصرف اقوم به تحكمهما معادلتان: الاولى كوني متهما عاديا أجيب على قدر السؤال. والثانية ان استدرج نتيجة التحقيق وضغطه لأتصرف كأني بطل بطريقة غريبة، ثائر مثلا أو زعيم سياسي. وعندما عرفت ان البعض يصنفني عميلا والبعض الآخر يراني بطلا، قررت ان ابقى متصالحا مع نفسي وأخوض التجربة انطلاقا من معركتين. الاولى هي الدفاع عن نفسي كصحافي، بمعنى انه لو كنت قد ارتكبت مخالفة للقانون، الا ان لا نية جرمية في تصرفي. ربما هناك ثغرات ولكن ليس تهورا مهنيا. فأنا صحافي وأملك الحق في الوصول الى المعلومة.

أما المعركة الثانية فهي في حقي كصحافي في التكتم على مصدر معلوماتي. لم أكن اريد ان اكشفه. في داخلي كان توجهي حادا لرفض الامر. لكن في الزنزانة يفكر السجين بهدوء. عرفت ان المعركة الثانية خاسرة. لذا تجاوبت مع التحقيق. والسبب الرئيسي يكمن في أن الصحافي اللبناني لا يتمتع بحصانة تحميه مهنيا وقانونيا، والجسم الاعلامي اللبناني لم يقدم لي الحصانة المعنوية من خلال التضامن المؤسساتي. gt; الى أي مدى استوقفك غياب الحماية والحصانة للاعلامي؟ وهل قررت ان تتخذ وسائل وقائية ورقابية ذاتية اثناء عملك حتى لا تتعرض لموقف مشابه؟

ـ الحماية الفعلية لا تأتي الا من خلال القوانين التي تحمي الصحافيين وتراعي طبيعة عملهم. في المقابل التجربة افضل درس. ولكني مقتنع بأني لم أخالف القانون في اسلوب عملي واستقصاءاتي لخدمة موضوعي. أنا لم أخالف ما كان موجودا. فالشقة لم تكن مختومة بالشمع الاحمر وما فيها لا يعتبر ادلة جنائية، وإلا لم تكن لتترك. وأنا لم افتح بابا او نافذة لأدخل. كان كل شيء مفتوحا ولم اتسلل فقد دخلت في وضح النهار وصورت تحركاتي. أنا كشفت الثغرات المتروكة في التحقيق ودفعت الثمن. وأتمنى ان لا يكون ما جرى هو الدفعة الاولى فقط.

gt; هل تتوقع دفعة ثانية؟

ـ بالطبع، فأنا خرجت بكفالة مالية. ومدعى علي بتهمة بعثرة أدلة في ملف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويحق للمحقق العدلي ان يسترد مذكرة التوقيف.

gt; ألم يزعجك انك تحولت سلعة اعلامية للمعارضة في لبنان؟

ـ عندما قررت تنفيذ هذا العمل لم أكن أفكر بإرضاء المعارضة او الموالاة. لكني تحولت الى قضية على مستوى الرأي العام بعد اعتقالي. أزعجني الموقف العدائي من السلطة تجاهي. أما المعارضة، فكان طبيعيا ان تستفيد من أخطاء السلطة لتسدد سهامها اليها. وفي هذه الحالة لم يكن مهما ان انزعج او ارضى، مع اني أعرف ان نسبة كبيرة من الذين دافعوا عني لا يعرفونني. وأعرف اني أصبحت مادة للتجاذب السياسي.

gt; ماذا بعد الشهرة؟

اعتبر اني استحق هذه الشهرة. موضوع زهير الصديق كان خيارا ذكيا. من جهته كان يفضل ان يطل مع اعلامي مشهور. لكن الاعلامي المشهور ليس بحاجة اليه ليحصل على شهرة يملكها اساسا. هذا النوع من المواضيع هو فرصة للصحافيين الشباب. نحن نواجه الخطر في سبيل النجاح ومقابل الاسم المهني. وبدأت أشعر ان هذا العمل حقق لي نقلة نوعية بكل الظروف التي رافقته. احيانا عندما استقل سيارة أجرة يرفض السائق ان ادفع له. هؤلاء الناس يمنحونني سعادة أكثر من السياسيين ويدفعونني الى المحافظة على صورتي لديهم. فأنا اريد ان يقول الناس عني اني أجيد عملي واحترم بعده الانساني والوطني بمعزل عن مهنة الصحافة بحد ذاتها.

gt; ماذا بعد موضوع زهير الصديق؟

أطمح الى اجراء عمل ينتمي الى مدرسة الصحافة الاستقصائية اذا سمح الجو العام بذلك.

* سيرة ذاتية

* فراس حاطوم فراس حاطوم في السابعة والعشرين من عمره تنقل في عدد من العواصم عندما كان صغيرا نظرا لظروف عمل والده. حصل على اجازة في الاعلام من الجامعة اللبنانية. تدرب في صحيفة laquo;النهارraquo; وبدأ العمل قبل اكثر من عامين ونيف في تلفزيون laquo;الجديدraquo; (نيو تي في) ولا يزال.

سجل حضورا مميزا خلال حزب يوليو (تموز) في الصيف الماضي من خلال التغطية التي قام بها في الجنوب اللبناني.

أصبح قضية اعلامية اثر اعداده ملفاً عن الشاهد الملك في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري زهير الصديق، وذلك بعد توقيفه مع زميليه عبد خياط ومحمد بربر على خلفية دخولهم شقة الصديق في خلدة (جنوب بيروت) وتصويرها. قبل السجن كان فراس حاطوم شابا يبني اسمه كمراسل ويطمح الى أكثر من ذلك. كان راضيا من الناحية المهنية عما حققه خلال سنتين. وكان طموحه ان يقوم بكل ما يمكن ليوسع افق عمله. ويسعى الى تنفيذ عمل استقصائي بمواصفات مهنية عالية. ثم شكلت فترة سجنه التي لم تتجاوز 45 يوما مادة دسمة لتحقيق استقصائي مقبل. كتب رؤوس اقلام وسيعمد الى تسجيل التفاصيل بعد تقويم المرحلة بهدوء. يحسب البعض انه أصبح مغرورا نتيجة نجوميته الطارئة بعد سجنه. ويعتقد البعض الآخر انه أصبح قادرا على تقديم خدمات نتيجة شهرته.