الثلاثاء 10 أبريل 2007

عبد الرحمن الراشد

ماذا سيحدث لبغداد بعد أكثر مما مرت به في السنوات الأربع التي أعقبت السقوط؟

قبل 18 عاما كان نظام صدام يبحث عن أزمة جديدة بعد أن انهى حربه المجنونة مع الإيرانيين. الغريب حينها انه استهدف حليفه الأردن ردا على مطالبة عمان بأن يدفع صدام مستحقات مالية ثمنا لمشتريات تمويلية أثناء الحرب. ثم استدار لاحقا وابتلع الكويت. لم يعد حينها خافيا على أحد أن صدام كان يعيش على الأزمات، وراغبا في المواجهة في أي اتجاه كان، كما اتضح ذلك في إقليم كردستان ثم في الجنوب، وهكذا.

لقد عاش العراقيون في رعب دائم، إما في حروب مفتعلة أو اضطرابات داخلية الفاعل الأول فيها النظام. ومنذ سقوطه وحتى اليوم لم ينعم هذا البلد الجريح بأفضل مما كان عليه في الماضي. لقد ترك صدام وراءه أمراضا كثيرة أنجبت هذا الكم المتراكم من الكراهية والاستعداد للحرب. أزمة العراق بدأت حتى قبل أن يشن حربه على إيران، وقبل أن يغزو الكويت، وقبل إدخال العراق في أزمة الحصار البطيء وحتى الغزو الكبير. كنا نتنبأ بأن العراق سيلد جنينا مشوها. وهو المخلوق الذي نراه اليوم أمامنا. وبالتالي من يتحدث عن سقوط نظام صدام على انه كان خطأ كبيرا لا يقدر حقيقة انه كان نظاما آيلا للسقوط بعد حين، بسبب تركيبته الفردية وعداواته المتزايدة وآخرها خسارته لكل حلفائه. سقوط بغداد كان أمرا حتميا سواء جاء الاميركيون أم غيرهم، سواء بفعل صراع داخلي أو تدبير خارجي، السقوط كان سيحدث بعد عام أو عشرة أعوام.

ثم دس الاميركيون انفهم في عش الدبابير العراقي الذي لن يكون سهلا خروجهم منه، خاصة انه تحوّل إلى تربة خصبة للتطرف الطائفي، وساحة حرب لدول الجيران التي تبحث دائما عن حلبة للمصارعة غير المباشرة. بالتأكيد سرّع العامل الاميركي في إسقاط النظام بشكل كامل وفوري، تجلى في فتح بغداد أبوابها بلا مقاومة. كان سقوط بغداد دلالة على هشاشة النظام وكراهية الناس له. لكن الاميركيين الذين خدعهم الانتصار السريع أساؤوا إدارة الأزمة لتستمر معاناة العاصمة حتى يومنا هذا.

وعود على السؤال في رأس المقال، ماذا سيحدث لبغداد؟، أظن أن هناك القليل من الفرص للإصلاح، معظمها في يد الحكومة العراقية والقوى العراقية المتناحرة. وما لم يشف العراقيون من مرض الكراهية والتصفيات المتبادلة والحرب بالنيابة عن دول الجوار، فإنهم سيستمرون في نفق مظلم طويل إلى سنوات بعيدة. وإذا كان هناك من أمل، فانه في النظام العام الذي يجمع العراقيين في دستوره وبرلمانه وحكومته. أقول النظام، وليس بالضرورة الأفراد، لأنه وعاء جيد لكن يعاني من سوء الأشخاص. النظام قادر على أن ينقذ العراقيين من أسوأ الناس بينهم، ويحفظ البلد من مخاطر التمزق والحرب الأهلية.