آلان كويل - نيويورك تايمز

بدأ رئيس الوزراء البريطاني quot;توني بليرquot; عهده بنوع من الابتهاج الذي عمَّ بريطانيا، بعدما استطاع حزب quot;العمالquot; العودة مجدداً من صفوف المعارضة التي ظل فيها لحوالى 18 سنة إثر الانتصار الساحق لـquot;توني بليرquot; في انتخابات عام1997. حينها بدا كل شيء ممكناً بعدما تحدث quot;بليرquot; عن بزوغ فجر جديد وتحول شعار حزب quot;العمالquot; إلى quot;الأمور كلها سوف تتحسنquot;. لكن اليوم، وبعد مرور عقد من الزمن على صعود حزب quot;العمالquot; إلى السلطة، وفي الوقت الذي يستعد فيه quot;بليرquot; لمغادرة منصبه وهو ينوء بأعباء حرب غير شعبية وانحدار كبير في معدلات شعبيته أصبح شعار الحزب الذي كان براقاً في السابق نغمة نشاز خارجة عن السياق. والسبب أن الأمور في نظر العديد من النقاد لم تتحسن كما أعلن في الوعود، بل تراجعت إلى الوراء. والأكثر من ذلك أن مغادرة quot;توني بليرquot; للحياة السياسية -حيث من المتوقع أن يعلن عن الجدول الزمني لتنحيه من منصبه بعد غد الخميس- تأتي في وقت تشهد فيه السياسة البريطانية تحولات جوهرية.
فقد نجح الحزب الوطني الأستكتلندي الانفصالي في التقدم على حزب quot;العمالquot; ليبرز كأحد أكبر الأحزاب في الانتخابات المحلية التي أجريت في الثالث من الشهر الحالي، منهياً بذلك نصف قرن من هيمنة الحزب quot;العماليquot; في اسكتلندا. ولم يختلف الأمر في quot;ويلزquot; أو إنجلترا نفسها بعدما حقق فيها quot;المحافظونquot; عودة مظفرة في انتخابات المجالس المحلية التي توفر القاعدة الحقيقية للانتخابات الوطنية. أما في الولايات المتحدة فإنه ينظر إلى quot;بليرquot; على أنه القائد الذي تحالف مع أميركا واصطف معها بعد أحداث 11 سبتمبر فقط للتضحية بشعبيته في الداخل واعتناقه لعقيدة سياسية تبشيرية في تحالف وثيق مع إدارة الرئيس بوش. وقد أوضح quot;بليرquot; نفسه هذه الرؤية السياسية الجديدة خلال خطاب ألقاه في مؤتمر حزب quot;العمالquot; عام 2001 قال فيه: quot;لقد تغيرت الرقعة السياسية بعد أن تناثرت الأحجار. وعلينا قبل رجوعها إلى مواقعها أن نعيد ترتيب العالمquot;. تداعيات هذا التصريح تظهر بوضوح في العراق وأفغانستان، بل حتى في بريطانيا نفسها، حيث يسوق منتقدو quot;بليرquot; حرب العراق باعتبارها السبب الرئيسي لمغادرته، بينما يعاني حزبه أيضاً لمعاقبة الناخبين، الذين صوتوا ضده في الانتخابات المحلية.
لكن مع ذلك تنطوي تركة quot;بليرquot;، في نظر العديد من البريطانيين، على تعقيدات ليس من السهل إدراكها. فهو وإن كان قد تعثر في تحسين التعليم العمومي، والنهوض بالرعاية الصحية، إلا أنه نجح في إعادة صياغة مركز الثقل في السياسة البريطانية. فقد حرص quot;بليرquot; على التأكيد بأنه سيغادر منصبه كرئيس لحزب quot;العمالquot;، وبالتالي كرئيس للوزراء في نهاية شهر يونيو المقبل، ليكون ذلك بمثابة نهاية حقبة خاضت فيها بريطانيا حروباً، كما تمتعت بازدهار معقول، وظلت بمنأى عن أوروبا، مفضلة ربط مصيرها مع الولايات المتحدة في توجه لم تعرفه بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية. وهي الحقبة نفسها التي يحق فيها لـquot;بليرquot; أن يفاخر بترسيخه لأسس السلام مع ايرلندا الشمالية، ونقل النقاش السياسي الوطني من quot;الفرديةquot; المتطرفة التي أقامتها quot;مارجريت تاتشرquot; إلى سياسة اجتماعية ديمقراطية أكثر تصالحاً مع فكرة الإنفاق الحكومي على المدارس والمستشفيات. ويرى البعض أن quot;بليرquot; استطاع تحقيق أكبر إنجاز سياسي عندما نجح في إقناع خصومه قبل مؤيديه بفكرة المجتمع المتضامن، حيث يسعى quot;المحافظونquot; اليوم إلى تقديم أنفسهم كحزب يدافع عن التكافل. والأهم من ذلك أن quot;بليرquot; غير الفكرة التي كانت سائدة في السابق حول حزب quot;العمالquot; من أنه عاجز عن إدارة الحكومة، أو الاقتصاد.
وبخصوص هذا التحول الذي أدخله quot;توني بليرquot; على المشهد السياسي البريطاني يقول quot;دين جودسونquot;، مدير الأبحاث في أحد مراكز البحث البريطانية (لقد حول حزب quot;العمالquot; إلى القوة السياسية الأولى طيلة الجزء الأكبر من العقد الأخيرquot;. ومع ذلك تعتري تركة quot;توني بليرquot; أوجه خلل كثيرة، إذ في الوقت الذي كان ينتظر فيه أن ينضم quot;بليرquot; إلى زمرة رؤساء بريطانيا الكبار من أمثال quot;تشرشلquot; وquot;كليمونت أتليquot;، وquot;مارجريت تاتشرquot; انحدر إلى مرتبة متدنية لا يمكن أن تضاهي تلك الشخصيات. وفي هذا الإطار يقول quot;ساندر كاتوالاquot;، الأمين العام لجمعية quot;فابيانquot; اليسارية quot;بصفة عامة يُعد بلير من أنجح القادة في تاريخ حزب العمال، لأنه الوحيد الذي استطاع الفوز في ثلاثة انتخابات متتالية. لكن السؤال هو ما الذي حققه خلال تلك الفترة؟quot; يلخص البعض تركة quot;بليرquot; الطويلة في كلمة واحدة: العراق، حيث يضيف quot;كاتوالاquot; قائلاً: لقد أقنع بلير نفسه بأن قوته ستتعاظم إذا ما أصبح لاعباً ومشتركاً في النقاش السياسي الأميركي. وحتى عندما نعته البريطانيون بـquot;كلبquot; بوش المطيع، تحول بلير إلى أقرب حليف لأميركا في غزوها للعراق عام 2003.
هذا الانحياز إلى أميركا جاء ضد quot;رغبة الشعب البريطانيquot;، كما يقول quot;ديفيد ماركاندquot;، وهو معلق في مجلة quot;نيو ستيتمانquot; الأسبوعية، وكلف الحكومة مصداقيتها عندما شاركت البيت الأبيض في نسج مبررات الحرب على العراق التي تبين لاحقاً أنها واهية. ويشاطر هذا الرأي المعلق السياسي والروائي الإنجليزي quot;روبرت هاريسquot; الذي قال quot;أعتقد أنه يحق لنا اليوم أن نشكك فيما يعلنه السياسيونquot;، مضيفاً quot;إن حرب العراق أصبحت علامة فارقة ترخي بظلالها على فترة توني بليرquot;. والواقع أن هناك من يجادل بأن مغادرة توني بلير لمنصبه قد تفيد حزب quot;العمالquot; بقدر ما أفادته الانتصارات الانتخابية التي حققها في السابق، وهو ما تذهب إليه quot;جليندا جاكسونquot;، وهي نائبة من حزب quot;العمالquot; بقولها: quot;لقد ألحق الكثير من الضرر بنفسه وبالحزب، لذا فإنه ما إن يغادر منصبه حتى يستعيد الحزب قوته بعد أن يتخلص من عبء ثقيلquot;.