ويليام رو

ينبغي النظر إلى اغتيال رئيسة وزراء باكستان السابقة بينظير بوتو على أنه يمثل جريمة رهيبة. فالاغتيال هو أفظع جريمة سياسية يمكن تخيُّلها، لأن القاتل يخرق القواعد الأساسية للمجتمع المدني وأولها تلك القاعدة البسيطة التي تقول: لا تقتل إنساناً آخر. والاغتيال عمل جبان في غالبية الأحوال، يرتكبه شخص عادة ما يهرب بعد ارتكابه الجريمة، وقد لا يتمكن أحد من أن يعرف عنه شيئاً. وحتى لو ارتكب الاغتيال بواسطة شخص يضطر لقتل نفسه أثناء تنفيذه للاغتيال، فإن الاغتيال يظل غير مقبول مع ذلك لأنه يمثل جريمة يدينها الجميع. علاوة على ذلك، فإن الاغتيال عادة ما يكون عملاً أحمق للغاية لأن نية القاتل عادة ما تكون تغيير سلوك أو سياسات القيادة، ولكنه يخفق في تحقيق ذلك في غالبية الأحيان لأن ما يحدث هو أن خلفاء السياسي المغتال يبذلون بعد موته جهداً مضاعفاً، من أجل إنجاز سياسات زعيمهم، ويكون لديهم في هذه الحالة دافع لاتخاذ إجراءات شديدة ضد القاتل وجماعته، وهو ما يعني أن مستوى القمع السياسي سيرتفع في مثل هذه الحالة، لأن العنف يولد المزيد من العنف، بدلاً من أن يؤدي إلى التغيير السلمي.

واغتيال بينظير بوتو بالذات كان مأساوياً لأن عائلتها تعرضت لمعاناة شديدة تعرض لها عدد كبير نسبياً من الزعماء السياسيين في شبه القارة الهندية، من قبلها. فالمهاتما غاندي اغتيل عام 1948، وأنديرا غاندي اغتيلت عام 1984، وابنها راجيف اغتيل عام 1991، كما اغتيل لياقت خان عام 1951، والشيخ مجيب الرحمن عام 1975، وضياء الرحمن 1981، وأحمد شاه مسعود عام 2001، ولكن تلك الاغتيالات السابقة لا تبرر موت بينظير مع ذلك.

وهناك اغتيالات حدثت في بلاد أخرى بالطبع، فنحن في أميركا لا نمتلك سجلاً جيداً للغاية في هذا المجال. فمن بين الثلاثة والأربعين رجلاً الذين تولوا منصب رئيس الولايات المتحدة هناك أربعة لقوا مصرعهم اغتيالاً هم الرئيس quot;إبراهام لنكولنquot; عام 1865 والرئيس quot;جيمس جارفيلدquot; عام 1881، والرئيس quot;ويليام ماكينليquot; عام 1901، والرئيس جون كنيدي عام 1963. وكل هذه الاغتيالات تثبت أننا في الولايات المتحدة لا نستطيع التفاخر بأن التحولات السياسية عندنا كانت دائماً سلمية.

ومع ذلك، فإن اغتيال بينظير بوتو، سبب قلقاً عميقاً في واشنطن، وهو ما يرجع لكون الرئيس بوش كان يأمل أن تؤدي عودة بوتو إلى المساعدة في توفير بيئة سياسية مستقرة وإيجابية في باكستان، التي تعتبرها واشنطن دولة ذات أهمية كبيرة لمصالحها القومية. وعلاوة على ذلك كان بوش يتبنى موقفاً قويّاً داعماً لبرويز مشرف على أمل أن يتمكن الأخير من تقديم المساعدة على تحسين الوضع في أفغانستان. وبعد اغتيال بوتو ينظر الكثيرون إلى هذا الموقف الداعم من قبل بوش على أنه كان سبباً في تقويض العملية الديمقراطية في باكستان. فعودة بينظير، وتحديد موعد للانتخابات لم يقدما في الحقيقة سوى أمل محدود لوضع البلاد على الطريق نحو تحقيق المزيد من الاستقرار.

لم يحدث هذا بالطبع، واختفت بوتو من المسرح، وأصبح مستقبل الاستقرار السياسي لبلدها مغلفاً بالغموض بصورة أكثر مما كان عليه وهي حية. وليس هذا فحسب، بل إننا نجد أيضاً أن الخيارات المتاحة أمام بوش لإثبات أنه يمكن أن يكون مفيداً في الوضع الحالي، قد ضاقت. والخليفة السياسي لبينظير بوتو هو ولدها quot;بيلاوالquot; البالغ من العمر 19 عاماً، وغير المعروف في بلاده، والذي ينوي مواصلة دراساته خلال السنوات القليلة القادمة. أما المرشحون الآخرون لمنصب رئيس الحكومة في الوقت الراهن فمنهم رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي لم تكن له في أي وقت من الأوقات علاقات ودية مع الولايات المتحدة الأميركية. وبينظير بوتو بالذات كانت تبدو مناسبة للغاية في نظر واشنطن، ليس فقط لأنها خريجة هارفارد ولا لأنها كانت تتبنى خطاباً ديمقراطياً، ولكن لأنها كانت تدافع بقوة عن السياسات المناوئة للإرهابيين في المنطقة، وهو موقف كان بوش يعجب به بشكل خاص.

ولكن ممارسة السياسة كما نعرف شيء يتعلق بالخيارات، لأنه يندر أن نجد سياسة واحدة لديها القدرة على تحقيق جميع الأهداف في الوقت ذاته دون أن تكون لها نتائج سلبية. ودعم الرئيس بوش الذي لا يتزعزع لمشرف بسبب الحرب على الإرهاب، ساهم دون قصد في تآكل الديمقراطية في باكستان. فعلى رغم أن الرئيس بوش يزعم دائماً أنه يؤيد الديمقراطية في كل مكان، إلا أن ما حدث عندما قام مشرف باللجوء إلى استخدام سياسات داخلية صارمة في إطار الحرب على الإرهاب هو أن بوش اختار القبول بهذه السياسات، على رغم أنه لم يقل ذلك صراحة. ومن ضمن السياسات الصارمة التي طبقها مشرف: إعلان حالة الطوارئ التي كانت تعني تعطيل حكم القانون العادي، وفصل القضاة الذي أدى إلى تقويض استقلال المنظومة القضائية في باكستان ودفع المحامين للاحتجاج والتظاهر في الشوارع، وهو ما ساهم كله في جعل الغالبية العظمى من الطبقة المتوسطة تشكك في العملية السياسية، وأضعف ثقة الشعب في الحكومة.

والشعب الباكستاني هو الذي سيحس بتأثير موت بوتو أكثر من غيره، لأنه هو الذي عانى بالفعل من الاضطراب السياسي المستمر، والصراع حول العديد من القضايا، والتنافسات الداخلية، والتوترات التي تفاقمت إلى حد كبير في الآونة الأخيرة.

إن الرئيس مشرف، فيما يتصل بكل هذه القضايا، مطالب بالبحث عن مخرج من الأزمة الحالية، وهو ما يدفع الكثيرين داخل بلاده وخارجها إلى مراقبته هذه الأيام كي يروا ماذا ستكون خطوته التالية. وبعض رفاق بوتو الحزبيين، يعتبرون جهات رسمية مسؤولة عن موتها، من خلال تعمدها عدم توفير الحماية الأمنية الكافية لها، غير أن هذا الاتهام لم تثبت صحته بعد. بيد أن التغطية على الحقائق المتعلقة بموتها، حسبما يبدو أمامنا، تضفي مصداقية على هؤلاء الذين يبحثون عن مؤامرة وراء موتها. البعض يشك في quot;القاعدةquot; وغيرها من الجماعات الراديكالية، لأن بوتو كانت تعارض هذه الجماعات بقوة.. بيد أن ما يمكن قوله في هذا السياق هو أنه لا يزال من المبكر للغاية الجزم بالجهة المسؤولة عن اغتيالها، بل وقد لا نتمكن من معرفة هذه الجهة أبداً.

غير أنه يمكننا أن نكون موقنين مع ذلك، بأن هذا العمل قد أدى إلى خلق حالة من عدم اليقين في بلد كان استقراره دائماً مهماً لنا جميعاً. ولكن الجناة، وبصرف النظر عن هويتهم، لن يتمكنوا على الأرجح من تحقيق أهدافهم، لأن القتلة نادراً ما ينجحون في ذلك.