أحمد المرشد

لنا أن نتخيل حواراً ldquo;إسرائيلياًrdquo; بين وزيري الحرب إيهود باراك والأمن الداخلي آفي ديختر، إذ طالب الأخير الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; بسرعة اتخاذ إجراءات أكثر قسوة لمواجهة نشطاء المقاومة الفلسطينية، وهو الأمر الذي يرفضه باراك ليرد على ديختر بقوله: ldquo;إنه يفضل الاستمرار في سياسة العمليات الخفيفة الحاليةrdquo;. حقاً لقد دار هذا الحوار بين باراك وديختر خلال الجلسة الأخيرة للحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في وقت أحكم فيه الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; قبضته على قطاع غزة وأغلق كل المعابر أمام المساعدات الإنسانية، ولا يزال وزير الأمن الداخلي ldquo;الإسرائيليrdquo; يتهم الجيش بأنه يقف ضعيفا في غزة ويطالب بالعمل فورا على خلق معادلة ردع جديدة في القطاع الذي يمر بأسوأ أيامه منذ احتلاله العام 1967.

ثم تأتي أصوات من داخل الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; وتقول إن حملة القمع والحصار الحالية لعزل قطاع غزة لا تستهدف السكان بل تستهدف خلخلة سيطرة حركة حماس على القطاع، ولم تتوقف هذه الأصوات بل تطلق تحذيرات ضد حماس على شاكلة ldquo;إن للجيش وسائل أخرى لإجبار حماس على إطلاق سراح جلعاد شاليت الجندي ldquo;الإسرائيليrdquo; المختطف حتى لو كان ذلك على حساب الشعب الفلسطينيrdquo;.

إذاً، نحن أمام معضلة حقيقية ونزيف دم لن ينتهي، وسيطال كل الشعب الفلسطيني بقطاعه وضفته لأنه لا أحد يضمن أن يتوقف ldquo;الإسرائيليونrdquo; عند حدود الانتقام من قطاع غزة، فrdquo;الإسرائيليونrdquo;، مدنيين وعسكريين، هم شعب متعطش للدماء ويعيشون سعداء برؤية دم غيرهم يسال على الأرض ويبكون ويولولون إذا أصيب أحدهم ولو بخدش بسيط ويملأون الدنيا صخباً وضجيجاً على ضحيتهم التي نزفت نقطة دم.

هؤلاء هم ldquo;الإسرائيليونrdquo; الذين هددوا قادة حماس بأنهم سيوقفونهم في طابور طويل على باب جهنم إذا تعرض أسيرهم جلعاد شاليت لمكروه. ثم نندهش أكثر إذا بلغنا تبرير الإدارة الأمريكية لكل التصرفات العدوانية ldquo;الإسرائيليةrdquo; ضد فلسطينيي قطاع غزة، إذ يقولون إنهم يتفهمون دوافع ومبررات هذا التصعيد لأن المهم عندهم هو أمن ldquo;إسرائيلrdquo;.

فالأمريكيون يتحدثون عن أمن ldquo;إسرائيلrdquo; في وقت ضاعفت فيه القوات ldquo;الإسرائيليةrdquo; من أعمال القتل المنظم، حيث تنتهك مبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني لتعمدها إيقاع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.

أين هي الحماية الدولية التي يوفرها المجتمع الدولي للسكان العزل في قطاع غزة؟ فاستمرار غياب الحماية الدولية للسكان المدنيين يعد أمراً يشجع سلطات الاحتلال على المضي قدماً في انتهاكاتها الجسيمة لمبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني. وعلى الأطراف السامية الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة التحرك الفوري والعاجل لوقف انتهاكات ldquo;إسرائيلrdquo; الجسيمة لمبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني، والقيام بواجباتها القانونية والأخلاقية، وتوفير الحماية الدولية للسكان المدنيين، وعدم السماح باستمرار انتهاك حقوق الإنسان والانتصار للقيم الإنسانية التي يجب ألا تكون محل مقايضة سياسية أو اقتصادية. ونحن نضم صوتنا مع أصوات كل هيئات المجتمع المدني الفلسطيني التي طالبت المجتمع الدولي بالتحرك العاجل والضغط على ldquo;إسرائيلrdquo; لرفع حصارها المفروض على قطاع غزة بما في ذلك وقف تقليص كميات الوقود اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية، وزيادة كميات الطاقة التي تزود بها القطاع كواجب من صميم واجباتها تجاه السكان في قطاع غزة الذي تسيطر عليه وتواصل تحكمها المطلق في حدوده ومعابره وأجوائه ومياهه الإقليمية.

إن هذه المرحلة هي أكثر المراحل خطورة منذ بدء الصراع مع المحتل ldquo;الإسرائيليrdquo; وتزايد المحاولات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية لتمرير مشاريع الاحتلال التي يحاول فرضها بالقوة العسكرية وتصعيد العدوان الدموي اليومي بهدف انتزاع تنازلات سياسية تنتقص من الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية.

وفي ظل الظروف الصعبة والمنعطف السياسي الخطير الذي تتعرض له القضية الفلسطينية فالأمر يتطلب من جميع الفلسطينيين رئاسة وحكومة وقوى وطنية وإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني تحمل المسؤولية وتهيئة الأجواء من أجل استئناف حوار وطني حقيقي من أجل توحيد الخطاب السياسي على قاعدة التمسك بالثوابت الفلسطينية، وبما يتجاوز المرحلة السابقة وكل إشكالياتها ومنها حكومة الرأسين التي تحكم الفلسطينيين.

الأمر الذي يجعلنا نصاب بدهشة في ظل هذه التطورات المحزنة هو الجدل الدائر بين فتح وحماس في هذا الوقت العصيب، فحماس لا تزال تتهم فتح بمحاولة اغتيال قادتها في قطاع غزة وتمسكت حماس بروايتها الخاصة بتعرض إسماعيل هنية لمحاولة اغتيال أثناء صلاة الجمعة قبل الماضية، وطبعا ترد فتح بالنفي وهلم جرا.

ولم يأبه كل هؤلاء بالموقف الإنساني المتدهور الذي يعيشه سكان قطاع غزة وكأن أهم شيء لديهم هو الجدل السياسي أما الشعب فله رب يحميه. إنهم يفعلون ذلك وغزة تموت ببطء بدلاً من أن يتحركوا معاً لوقف جرائم الحرب ldquo;الإسرائيليةrdquo; بحق شعبهم الفلسطيني. والسؤال الآن: ما الهدف من أعمال القتل التي تمارسها ldquo;إسرائيلrdquo; بشكل متصاعد في قطاع غزة وتمثل انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني ترقى لمستوى جرائم الحرب؟ ولاسيما أن تلك القوات تبدي تحللاً واضحاً من قواعد القانون الدولي التي تؤكد احترام الذات البشرية وتقيد استخدام القوة لتكون متناسبة، وأن تميز بين المدنيين والمنشآت المدنية وتلك التي تستخدم للأغراض العسكرية وأن تستخدم فقط عندما تكون هناك ضرورة حربية.

السبب يعود إلى جولة بوش فالتصعيد كما وصفه أحد سكان غزة المنكوبين هو الجمرة الخبيثة التي قطفها العرب من تلك الزيارة الميمونة للرئيس الأمريكي لمنطقتنا، فrdquo;إسرائيلrdquo; وكعادتها دائماً تكافئ الفلسطينيين بتصعيد عسكري وضربات موجعة كلما استقبلت ضيفاً مسؤولاً أمريكياً أو أوروبياً، وكذلك إذا ذهب أحد قيادييها في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة أو أوروبا، والسبب واضح قطعاً، وهو انها تريد أن تبعث بإشارة إلى العرب والفلسطينيين بأن العالم يقف معها ويبرر تصرفاتها واعتداءاتها ضد الفلسطينيين، حتى لو عاش هؤلاء في كارثة إنسانية طويلة.