ناصر الصرامي


في السياسة تتم تصفية الحسابات باستخدام أحداث ومواقف متفاوتة، وهذا جزء من فن الممكن سياسيا، فيما المنابر الإعلامية تصبح صورة مشوهة للعاطفة، حسب اتجاهات الشارع، وهذا أمر ممكن أيضا، في الحالة العربية الراهنة!.

إلا أن الإعلامي تستفزه المهنية، التي يبدو أنها مثل أشياء كثيرة في منطقتنا تتعرض لتشويه الاستخدام.

وهو ما يحدث الآن في إعلام، ظل بعيدا عن الشعارات والأدلجة، وأقصد الإعلام السعودي الذي اتصف بالعقلانية غالبا؟!.

هل هو جديدنا في ثقافة الاختلاف والحوار؟ أرجو ذلك، لكن أرجو أن يتمدد ليشمل أشياء أخرى كثيرة أيضا من حولنا.

لكن، انظروا كيف أصبح ما يسمى ب (الليبراليين السعوديين) - إن وجدوا أصلا - شركاء في جريمة غزة، بل متواطئون معها، أو كأنهم تلقوا إشارات مسبقة بموعد توجيه الضربات الدامية والتدميرية لغزة، وليصبحوا جزءا من العملية الإسرائيلية؟!.

لماذا؟.

لأنهم ببساطة رفضوا الانضمام إلى حفلة اللطم الجنائزية، التي تسبب فيها أخطاء وقصور الواقع السياسي، الواقع السياسي العربي الذي تعتبر الليبرالية في حضورها المتواضع ضحية له.

لا بد أن نتذكر أن الأنظمة منشغلة بفكرة تصعيد أيدلوجية متشددة لمواجهة أيدلوجية أخرى أكثر تشددا وقادمة من داخل أو خارج الحدود، في عملية توليد مستمرة.

الصوت الأعلى اليوم، هو لمن يكتب بطريقة اللطم (والولولة) الصاخبة، ويعلن خجله مما قدمه كتاب علمانيون وليبراليون، منحرفون، وجميعها على كل حال، صفات تنطبق بأشكال متفاوتة على كل من علّق برؤية مغايرة وعبّر عن فاجعة غزة دون نواح أو أنين عال صحفيا!.

وحين تخرج أصوات تشكل أقل من 10%، ممن يستنطقون لغة أخرى، ولا يرغبون في الاستمرار ببكاء هزيمة جديدة، والاستعداد لأخرى تالية، وانتظار لمأساة تتبعها مأساة، فإن لغة خطابية بائسة ترتد من الشارع، إلى كُتاب ينطقون باسم الشارع العربي - أو هكذا يعتقدون - ليهجموا بشراسة قومية ووصاية شرعية، وطائفية حزبية، على هذا الجزء الضئيل المغاير.

طبعا، ذلك كله من أجل أن يبقى صوت من يبكي على الجنائز ويجيد شق الجيوب، هو الممثل للإعلام العربي وواجهته الباقية، وللأسف، للأسف جدا - إن المشهد المحلي أصبح كذلك.

لذا فإن كل من يخالف خط (النواح العربي )، هو (ليبرالي)، عميل، صهيوني، متأمرك، متآمر، يداه وحتى أرجله، وشفاهه، ملطخة بدماء شهداء الأمة!، طهارته لا تتم إلا بالانضمام إلى جنازة صحفية من اللطم وشق الجيوب، كما تفعل (النايحات) وناشرات العويل.

ثم ماذا؟، لا شيء، فترة راحة قبل العودة للبكاء من جديد.