المملكة ليست طرفاً في الشأن العراقي

يوسف الكويليت
الرياض السعودية
العراق يعيش واقعاً متضارباً ليس فقط بمكّونه الاجتماعي والديني، بل بواقعه السياسي، ولا يزال يمر بمخاض حول من يرأس الحكومة، ورئاسة الجمهورية والبرلمان وغيرها، ولا تزال المساومات بين أجنحته تتآلف ضد طرف، وتتحالف مع طرف آخر، ولا يمكن إخفاء تدخل دول عربية وإقليمية إلى جانب الدولة المحتلة، وفي هذه المعمعة تناحرت القوى واتخذت وجوهاً تدين لإيران، وبعضها يريد إظهار عروبته المقموعة، ودولة كردية تتشكل مستفيدة من اللعبة الدائرة..
تآلف القوى الشيعية وترشيح المالكي موضوع عراقي، وحتى لو دخل عنصر آخر من خارجه أدى إلى قبول ذلك التآلف، فلا نعتقد أن هذا الشأن يجعل المملكة طرفاً في الترحيب بترشيح المالكي لرئاسة الوزراء، ويأتي السؤال لماذا اختيار المملكة مؤيداً، بينما في كل المناسبات أعلنت وأسمعت زائريها من كل الطوائف والقوميات في العراق أنها لا تتدخل، ولا ترغب في أن تكون على علاقة مع حزب أو طائفة، أو عشيرة، طالما الخيار مفتوح للعراقيين وحدهم، وأنها مع وحدتهم واستقرارهم؟
ثم هل لأن المملكة قوة عربية تجاور العراق تصنف بأنها لاعب بما يجري فيه، وإظهارها بهذه الصورة لصالح فئة ما ترغب بالكسب من أجل خلق علاقة مضادة مع الأطراف الأخرى؟ ولماذا لم تدخل دول عربية مهمة في الشأن القومي برمته مثل سورية ومصر، والأردن باعتبارها على تماس مع الحالة العراقية، حتى لو وقفت على مسافات متفاوتة مما يجري فيه، حسب الرؤية لكلّ منها وتقويمها لوضعه؟
والخلافات والحروب وعدم استقرار الأمن في العراق تجري من خلال عناصر داخلية وخارجية، وهي مثل الشأن السوداني، والفلسطيني واليمني تجبر أي دولة واعية لدورها، أن لا تكون في حزام الأزمات الداخلية شريكاً، لأنه من مصلحتها النأي بنفسها عن أي إشكال، إلا فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية ودفعها لأنْ تكون غاية ووسيلة، والعراق ليس بحاجة لمن يؤيد أي إجراء خاص به، أو يختلف معه طالما لديه القيادات القادرة على حسم معاركه السياسية والأمنية، بل إن المملكة حاولت أن تبقى حليفاً للجميع رغم العروض بالتدخل لصالح واجهات فاعلة في داخله، وهو مبدأ اتخذته بأن تقف من الجميع موقف الأخ والشقيق بدون أي اعتبارات، وقد حاولتْ في العديد من المواقف أن تصلح أكثر من شأن عربي وإسلامي، وبذلت جهوداً سياسية ومادية لغلق أبواب التوتر والحروب، وقد نجحت في بعضها وفشلت في أخرى، وهي أسباب جاءت خارج إرادتها لمن رفضوا التصالح والتعامل مع قضاياهم بروح الوطنية المشتركة..
العراق بلد عربي شقيق، ووضعه المؤلم لا يزال جرحاً نازفاً، والحياد أمام خصوماته وعلاقاته المتوترة، فرضته سلطاته السياسية، ربما لاعتبارات ترى أنها وجيهة ولذلك فإن طرح اللوم على العرب بإهماله أو تركه، فرضه الاحتلال، وعراقيون حاولوا التباعد عن كلّ ما هو عربي، وهو جزء من أزمة عالقة ومعقدة..
السعودية تتدخّل... لا تتدخّل !
راجح الخوري
النهار اللبنانية
منذ أُثيرت قضية القرار الاتهامي الذي يمكن ان يصدر عن التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ومنذ ان بدأ الحديث مباشرة او مداورة عن دور مفترض يمكن ان تقوم به المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين شخصيا لتأجيل صدور هذا القرار، دأبت الرياض دائما على المسارعة الى الرد والتوضيح، مؤكدة انها لا تتدخل من قريب او بعيد في كل ما يتصل بالتحقيق الدولي او بالمحكمة التي شُكلت في مجلس الامن وفق الفصل السابع، بما يعني عمليا وقانونيا ان ليس في وسع اي دولة او زعيم ان يتدخل ليرسم اتجاهات او يفرض خطوات عليها.
بعد القمة الثلاثية التي كانت قد سبقتها قمة الملك عبدالله والرئيس بشار الاسد اللذين وصلا سوية الى بيروت، تكاثر الحديث، سواء على ألسن بعض السياسيين اللبنانيين او في بعض الوسائل الاعلامية اللبنانية، عن دور مفترض قيل ان الملك عبدالله وعد او انه التزم القيام به لدى الجهات الدولية بهدف تأجيل صدور القرار الاتهامي، الذي كان يتردد انه سيصدر في اواخر شهر ايلول المنصرم، وذلك كخطوة اولى يفترض ان تليها خطوات ثانية، تتمثل في ايجاد المخارج التي تلغي المحكمة وتنهي
عملها.
كل ذلك طبعا على خلفية الاحتقان المتزايد في لبنان الذي يهدد الاستقرار وينذر بنشوب فتنة مذهبية بين السنة والشيعة، من منطلق ما قيل تكرارا عن ان قرار المحقق دانيال بلمار سيتهم عناصر من quot;حزب اللهquot; بالتورط في الجريمة!
❐ ❐ ❐
ولكن لهجة النفي السعودي تصاعدت تكرارا بالتوازي مع تصاعد الحديث عن هذا quot;الالتزامquot;، الذي قيل ان الملك عبدالله قطعه على نفسه او انه وعد به. وفي هذا السياق دأبت الرياض دائما على القول ان سياستها تدعم بقوة راسخة الوفاق والتفاهم بين اللبنانيين وانها دفعت وتدفع في هذا الاتجاه دائما، سواء عندما ظهرت بوادر مقلقة في بيروت صيف عام 2006، عندما بذل السفير السعودي آنذاك الدكتور عبد العزيز خوجة، الذي صار وزيرا للثقافة والاعلام، وبتوجيه شخصي من الملك، جهودا كثيفة وحثيثة لدعم التفاهم وحلّ الاشكالات والسعي الى تعميق الحوار وترسيخ اسس الوحدة الوطنية، وسواء الآن عندما يحرص السفير علي عواض عسيري وبتوجيه من القيادة السعودية على مواصلة هذه السياسة التي تشكل اساسا للديبلوماسية السعودية في دعوتها دائما الى الوفاق والتفاهم والوحدة بين الاشقاء في لبنان والدول العربية.
رغم الحرص السعودي الدائم على نفي اي تدخل في موضوع المحكمة، وصل الامر اخيرا الى نشر كلام في بيروت، يقول ان هناك اتجاها سعوديا الى quot;نسف المحكمة الدوليةquot;، لان لبنان لم يعد اولوية بالنسبة الى الرياض المنشغلة بمستقبل العراق والسلطة التنفيذية فيه.
السفير عسيري حرص يوم السبت الماضي على الرد والتوضيح، عندما قال لصحيفة quot;الشرق الاوسطquot; ان الرياض ليست في وارد التدخل في موضوع المحكمة، لا لجهة القرار الاتهامي ولا لجهة المحكمة عينها، وان موضوع المحكمة يتعلق بمجلس الامن وحده، وهو خارج يد الجميع.
وانسجاما مع سياسة الرياض التقليدية المعروفة الداعية الى الوئام والتفاهم وتعميق الحوار وترسيخ الوحدة الوطنية اللبنانية، وهو ما ركزت عليه القمة الثلاثية وتصريحات الملك عبدالله والرئيس بشار الاسد، كشف عسيري انه اقترح على quot;حزب اللهquot; تأليف quot;لجنة لبنانية من الموالاة والمعارضة مهمتها وضع تصور منذ الآن لاحتواء اي تداعيات يمكن ان يحدثها اي قرار سوف يصدر عن المحكمة، سواء كان سلبيا او ايجابيا، وذلك لمنع انفلات الامور والوصول الى ما لا تحمد عقباهquot;.
❐ ❐ ❐
ورغم حرص عسيري على التذكير بان مواقف المملكة لا تخرج على ما حدده الملك عبدالله في بيروت، عندما دعا الاشقاء اللبنانيين الى اعتماد لغة العقل والحكمة والحوار والى التكاتف والوحدة من اجل المصلحة الوطنية العليا، فان كلامه وجد تفسيرات مستغربة، على قاعدة اصرار البعض على ان الملك تعهد معالجة مسألة المحكمة، وان الحديث عن عدم خضوعها للتدخلات او التأثيرات، انما هو تعبير عن تراجع السعودية عن اي وساطة او تدخل او مساع لمنع صدور القرار الاتهامي بحق عناصر من quot;حزب اللهquot; وذلك نتيجة تشدد اميركي في هذه المسألة!
مثل هذا الكلام لا يخرج طبعا عن سياق الزوبعة المتصاعدة من الاخبار والسيناريوات وحتى التعميات المتناقضة التي تشهدها قضية المحكمة والقرار الاتهامي. لكن المثير، انه رغم دعوة السفير الى تشكيل لجنة وطنية تدرأ عن البلد اي تداعيات مضرة، ورغم تأكيده ان الرياض لم ولن تتدخل في قضية المحكمة، وان هناك عدوا اسرائيليا يتربص بلبنان واللبنانيين وهو ما يفرض تفاهمهم ووحدة موقفهم، فان كلامه وجد من يرى الابيض فيه رماديا او ملتبسا!