خليل حسين

رغم قِصر ما استغرقته القمة السعودية - السورية الأخيرة تبقى موضوعاتها وتوقيتها وما دار فيها من أهم القمم المعقودة بين البلدين، إذ تأتي في أعقاب قمة لبنانية إيرانية قيل فيها الكثير، علاوة على ظروف المنطقة الدقيقة، وما ينتظر من تداعيات الملفات الكثيرة التي تعج بها وحولها . استثنائية القمة تأتي في سياق ترتيب ملفين عربيين حساسين هما لبنان والعراق . ففي الملف اللبناني ثمة العديد من القضايا، وأبرزها ملف المحكمة الدولية والقرار الظني المزمع إصداره، وما يمكن أن يشكل من تداعيات سلبية، وفي طليعتها إشعال فتنة سنية - شيعية لن يكون لبنان وحده أتوناً لها . فما الذي حصل قبلها؟ وما الآليات الممكنة لتنفيذ ما مبتغى منها؟

بداية، تهيأت في الواقع البيئة السياسية الإقليمية لانعقاد القمة في الأسلوب الذي اتبعه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في زيارته للبنان . فقبل بدء زيارته أجرى اتصالين مهمين، الأول بعاهل السعودية الملك عبدالله، والثاني بعاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، وفي ذلك دلالات رمزية بالغة الأهمية . الأولى مفادها أن سقف زيارته للبنان لن يتعدى التفاهم السعودي السوري على مجمل ملفات لبنان، وبخاصة ما تم الاتفاق عليه سابقاً في القمة الثلاثية التي جمعت الملك عبدالله والرئيسين السوري واللبناني بشار الأسد وميشيل سليمان في بيروت . والاتصال الثاني والذي يعتبر رسالة إيرانية واضحة إلى كل من مصر والأردن بأن زيارة لبنان لا تهدف إلى دعم فئة لبنانية على حساب أخرى، أو إشعال عواطف ومشاعر تغذي احتقاناً لبنانياً مشتعلاً منذ فترة، بل الهدف منها كان محاولة الانضمام إلى مسار توفيقي يمكن لإيران أن تلعب دوراً مهماً فيه، ذلك برز بشكل واضح في مجمل مواقف الرئيس الإيراني في لبنان، والتي كانت بمجملها جامعة .

ومن الثابت أن المملكة العربية السعودية قامت بجهد كبير في الفترات الماضية لمحاولة احتواء أي تداعيات للقرار الظني المنتظر عبر محاولتها فعل شيء ما لدى الدول المعنية، أو على الأقل المؤثرة في الموضوع ومنها الولايات المتحدة وفرنسا، ويبدو أنها لم توفق في ذلك، وعلى الرغم من ذلك تتابع المملكة بشخص ملكها متابعة الملف مع الرئيس السوري لإيجاد مخرج يبعد شبح الفتنة عن لبنان .

وفي الواقع أيضاً، وبصرف النظر عن قدرة هذا الطرف أو ذاك على التأثير في مسار المحكمة وقرارها الظني، ثمة قناعة سعودية سورية أن مسار المحكمة الحالي لن يساعد لبنان على تخطي متاعبه القاتلة، ومن هنا تأتي القمة في هذه الظروف بالذات لتتوج بدء المسار في إيجاد حل ممكن قوامه العمل على التأثير في آليات عمل المحكمة، بدلاً من اللجوء إلى الدول المؤثرة فيها .

في السابق طرح بعض القانونيين والسياسيين اللبنانيين التأثير في عمل المحكمة عبر الضغط باتجاه تمويلها، وفي الواقع يعتبر هذا الإجراء خاطئاً، باعتبار أن التمويل يمكن أن يتأمن بصرف النظر عن مشاركة لبنان فيه أم لا، علاوة على تداعيات ذلك على علاقة لبنان بمجلس الأمن . لذا يبدو أن ثمة سيناريوهات يتم الإعداد لها بعد بحثها في لقاء القمة السعودي السوري .

أولاً، ينبغي إيجاد البيئة القانونية المناسبة للمضي في قضية شهود الزور أمام القضاء اللبناني، بصرف النظر عن الجهة تحديداً أكان المجلس العدلي أو المحاكم الجنائية العادية، ويترافق ذلك مع نقل هذا الملف من أمام القضاء السوري إلى عهدة القضاء اللبناني . إن ذلك الإجراء يعني تهيئة البيئة القانونية المناسبة للطلب إلى المحكمة الخاصة بلبنان تأجيل النظر في القضية الأساسية ريثما يتم النظر في القضية الفرعية الناشئة عنها، وهو مسار قانوني شرعي متعارف عليه في مجمل الأنظمة الفقهية والقانونية المختلفة في العالم . أما المسار الآخر الذي يمكن ولوجه حالياً، فهو متوفر أيضاً، ويرتبط باتخاذ قرار سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة . وثمة قرينة قانونية يمكن الارتكاز عليها، مفادها أن أحد المدعين العامين للمحكمة وهو قاض لبناني يعتبر محل خصومة مع أحد الضباط الأربعة المفرج عنهم، علاوة على تنحي القاضي كاسيزي طواعية عن المحكمة للسبب عينه .

إذن، ثمة بيئة قانونية مؤاتية للولوج في هذه الخيارات المتاحة، فهل سيتمكن الطرفان السعودي والسوري من الدفع باتجاه تلك الخيارات الحلول؟ في الواقع أن قدرة الطرفين على التأثير في السلوك السياسي للأطراف اللبنانية كبيرة ومؤثرة، سيما وأن الوضعين اللبناني والإقليمي باتا من الخطورة بمكان أن يشعلا فتيل سنية في المنطقة ليس لأحد قدرة على استيعاب تداعياتها ونتائجها .

لقد بات التفاهم السعودي السوري ركناً ضامناً للاستقرار في لبنان، وركيزة أساسية من ركائز المظلة السياسية المطلوبة للواقع اللبناني الدقيق . علاوة على ذلك فإن كثيراً من المعطيات الإقليمية تدعم هذه الاتجاهات، ومن بينها الموقف الإيراني الذي تجلى بزيارة أحمدي نجاد إلى لبنان، علاوة على مواقف إيران الايجابية من موضوع المفاوضات مع الخمسة زائد واحداً الشهر المقبل حول البرنامج النووي، مروراً بتفاهم ldquo;الكونسورتيومrdquo; الإقليمي (إيران تركيا السعودية مصر الأردن) المتفهم للواقع اللبناني الدقيق، وصولاً إلى إحساس اللبنانيين بأن خطراً كبيراً محدقاً بهم، وعليهم مساعدة أنفسهم قبل غيرهم . كل ذلك يشكل بيئة ضامنة لإنجاح ما دار في القمة الثنائية، ويبقى تفاصيل المضي بها معقودة على اللبنانيين أنفسهم . هذا إذا ما استبعدنا ما يمكن أن ينتج عن زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي جيفري فيلتمن المتزامن مع القمة إلى كل من الرياض وبيروت .

ثمة قول مأثور طالما أطلقه العرب والمسلمون، الفتنة أشد من القتل، لقد قُتل في حروب داحس والغبراء اللبنانية مئات الآلاف، فهل يعي اللبنانيون أن ما ينتظرهم هو أشد مما أصابهم؟ إن وأد الفتنة بات مطلباً لبنانياً محقاً، وعلى إخوانه العرب أن يساعدوه على تجاوز أزمته .