محمد الباهلي

شاركت الأسبوع الماضي مع نخبة من الكُتّاب، في منتدى quot;الاتحادquot; الخامس، الذي كان تحت عنوان quot;العرب ودول الجوارquot;، وقد تميزت أوراق العمل التي طرحت تحت هذا العنوان بجانب كبير من الثراء والأهمية، وكذلك النقاش الذي دار حول ما جاء في هذه الأوراق، حيث طرح من خلاله الكثير من الأفكار والرؤى والتساؤلات العديدة حول مستقبل العلاقة بين العرب ودول الجوار.

والحقيقة أن مثل هذه الطروحات الفكرية التي تتعلق بدراسة واقعنا العربي وما يتصل به من مشكلات وبالأخص في جانبه السياسي، مهمة جدّاً لمعالجة الكثير من تلك الإشكاليات العربية، لأن ما ينتج عنها سوف يعود بالفائدة على هذا الواقع من جميع الجوانب، وهذا ما تفعله غالبية دول العالم التي قطعت شوطاً كبيراً على طريق التقدم حيث تساهم المعاهد البحثية ومراكز الدراسات فيها في صناعة القرار، وذلك من خلال الدراسات المعمقة لمشكلاتها.


وهناك أسئلة كثيرة فرضت نفسها كخلاصة لما دار في المنتدى من نقاش أهمها: هل يستطيع العرب فعلاً معالجة إشكالية العلاقة مع دول الجوار؟ هل هم حاليّاً على استعداد لفهم التعقيدات التي تشوب مثل هذه العلاقة والمخاطر التي تتعلق بها والجوانب الإيجابية والسلبية فيها؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، ماذا يستطيع العرب تقديمه للوصول إلى هذا الهدف؟ وما هو دور المجتمع العربي بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في انسجامه مع هذا التوجه؟

إن على العرب أن يدركوا حقيقة المتغيرات الإقليمية والدولية والعالمية، وما تشهده المنطقة العربية من حالة توتر وعدم استقرار، وما يشهده العالم من تغير في موازين القوى الدولية وتحول مراكز القوة من الغرب إلى الشرق، ما تحتم على العرب أن يعوا أهمية التركيز على الجانب السياسي والاستراتيجي وأبعاده في هذه العلاقة، وأن يفهموا نوايا الآخر واستعداده ليتم من خلال ذلك تحديد القضايا الرئيسية التي تمثل حجر الأساس في هذه العلاقة لبنائها بصورة صحيحة، بحيث تستجيب للأهمية السياسية المتاحة لدول الجوار على الساحة الدولية، وتحديد الخطوات الضرورية التي يجب اتخاذها في هذا الطريق تجاه كل دولة مجاورة، حيث إن هناك عدداً من القضايا الرئيسية المهمة خاصة فيما يتعلق بموضوع الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من طرف إيران، والملف النووي الإيراني، والتمدد الإيراني في مواقع عديدة من العالم العربي، والصراع العربي- الإسرائيلي، والإهمال العربي الشديد لقارة أفريقيا التي تلعب دوراً مؤثراً في نجاح أو فشل مثل هذه العلاقة.

وعلينا أيضاً أن نواجه عوامل الاضطراب السياسي في العالم العربي، في العراق، وفلسطين، واليمن، والصومال، والسودان، لأنها تمثل أكبر نقاط الضعف من الناحية الجيوسياسية لتحرك العالم العربي في تحسين علاقاته مع دول الجوار، وأيضاً العوامل المؤثرة في محيط العرب الجغرافي من اضطرابات سياسية وتوتر وعدم استقرار وتدخل خارجي مباشر من القوى الخارجية لتقويض أمن المنطقة العربية وإحداث حالة من التصدع في أمنها الداخلي وجغرافيتها السياسية، حيث يواجه العرب حزمة من الأزمات السياسية الخطيرة التي تمتد في مواقع عدة من العالم العربي. ولابد أن يتغير الخطاب السياسي العربي أمام كل هذه الإشكاليات ويدرك تماماً خطورة هذه الأوضاع، وأن يكون لنا منهجنا وطريقتنا في التعامل معها وفي وضع أولوياتنا وتوجهاتنا السياسية، وأن تكون لنا مشاريعنا الخاصة وسياستنا الاستراتيجية الجامعة تجاه التحديات العديدة التي تواجه أمتنا العربية.