رهن بحسن النوايا.. واحتمال الفشل كبير

واشنطن - دانيال القيسي ومارينا أوتاواي جانب من المحادثات التي جرت في اربيل بداية الشهر الجاري وبدا من اليمين عبدالمهدي وعلاوي وطالباني والمالكي والجعفري والصدر (رويترز)


في 11 نوفمبر الجاري، وقع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني ورئيس قائمة العراقية أياد علاوي، اتفاقا لتمهيد الطريق أمام تشكيل حكومة في العراق تضم كل الأفرقاء الأساسيين وممثلين عن كل المجموعات المذهبية والإثنية الكبرى. واجتمع مجلس النواب وانتخب رئيسه ونائبيه ورئيس البلاد في تعاقب سريع للسلطة. وطلب الرئيس جلال الطالباني على الفور من المالكي تشكيل الحكومة.

بيد أن ثلثي أعضاء الكتلة النيابية لقائمة العراقية، التي نالت الغالبية الساحقة من أصوات السنة في انتخابات مارس، خرجوا من قاعة مجلس النواب قبل انتخاب الرئيس، معتبرين أن ما يجري laquo;انتهاك للتسويةraquo;، واعتكاف علاوي يعتبر تحذير قوي بأن الاتفاق هش للغاية في أفضل الأحوال وبأن احتمال فشله كبير.
يتوقف تطبيق الاتفاق على شرطين أساسيين: أولا، إنشاء مجلس وطني للسياسات الاستراتيجية العليا يتمتع بسلطة تنفيذية حقيقية ولا يكون مجرد هيئة استشارية؛ وثانيا، رفع الحظر عن المشاركة السياسية لثلاثة قادة سنة مهمين، وهم: راسم العوادي وصالح المطلك وظافر العانيلانتمائهم الى حزب البعث المنحل؛ ونتيجة لذلك، لا يمكن منحهم مناصب في الحكومة الجديدة إلا إذا ألغي القرار. فضلا عن ذلك، يدعو الاتفاق أيضا إلى إطلاق عملية مصالحة من خلال المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا.

تفاصيل الاتفاق
ثمة جوانب عدة في الاتفاق تستحق التوقف عندها: أولا، يعيد الاتفاق تأكيد الطابع المذهبي للنظام السياسي العراقي. ففي حين يكتفي الدستور برسم الخطوط العريضة لنظام ديموقراطي برلماني عادي، يعمل في الممارسة الحالية بتفاهم يقضي بتوزيع المناصب الحكومية بين كل المجموعات السكانية الأساسية. لكن الاتفاق يذهب أبعد من ذلك، فيحدد فعليا المنصب الذي يحق لكل مجموعة مذهبية أن تشغله. فالمناصب الرئيسية الثلاثة ليست متساوية. فرئيس الوزراء هو الشخصية الأقوى في الحكومة. ومنصب الرئاسة شرفي في شكل أساسي، لكنه يعتبر في العراق المنصب الثاني من حيث الأهمية ــ وبإمكان رئيس مجلس النواب أن يكون لاعبا أكثر أهمية إذا أدى المجلس دورا مستقلا قويا، لكن الشكوك تحوم حول قدرة المجلس على تأدية مثل هذا الدور. ومن الواضح أن السياسيين لا يصدقون أنه قادر على ذلك. فمن أجل ضم قائمة العراقية والسنة إلى الائتلاف الحاكم، وجب إنشاء المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية وتسليم رئاسته إلى علاوي.

تطبيق الاتفاق
ثانيا، لا يبدو الاتفاق قابلا للتطبيق قانونيا. فتنفيذه رهن بحسن النوايا لدى كل الأفرقاء السياسيين الكبار، لا سيما المالكي. ولا يمكن تطبيق بنوده بسرعة إلا عبر التصرف بحرية بعض الشيء بالدستور والقانون. وينطبق هذا في شكل خاص على المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا. فليس هناك اتفاق خطي بشأن صلاحيات المجلس الوطني، على الرغم من أن الاتفاق الشفهي يشير بوضوح إلى أن المجلس لن يكون مجرد هيئة استشارية. فعندما أثارت الولايات المتحدة لأول مرة فكرة إنشاء مجلس وطني، اعتبره خصوم المالكي، وحتى بعض أنصاره المتخوفين من التوسع الكبير في نفوذه، طريقة لكبح سلطته. لكن المالكي شبهه بمجلس الأمن القومي الأميركي الذي يقدم المشورة للرئيس، إلا أنه لا يملك سلطة مستقلة في ذاتها.
لا تزال الخلافات حول سلطة المجلس الوطني قائمة، وحتى إقرار قانون بهذا الخصوص لن يحل المشكلة. فمهما كانت أحكام القانون، لا يستطيع المجلس أن يحد من صلاحيات رئيس الوزراء من دون تعديل دستوري. وبموجب الدستور، يمنع إجراء أي تعديلات قبل نهاية الدورة الانتخابية الثانية، أي بعد أربع سنوات. وهكذا فإن سلطة المجلس الوطني سوف تكون رهنا باستعداد المالكي للامتثال لقراراته، وهذا احتمال ضعيف.
مشكلة العودة عن تطبيق قرار اجتثاث البعث بحق المطلك والعوادي والعاني معقدة أيضا، وعلى الأرجح أنه ستترتب عليها عملية إما تستغرق وقتا طويلا بحيث لا تلبي الحاجات السياسية الملحة وإما تتجاهل التفاصيل القانونية الدقيقة. فلجنة العدالة والمساءلة التي تتخذ القرارات في موضوع اجتثاث البعث هي بلا شك هيئة سياسية وحزبية جدا؛ ويعتبر بعض العراقيين أنها تصرفت بطريقة غير دستورية عندما منعت مرشحين كثر من المشاركة في الانتخابات.
فمن الناحية التقنية، فان المحاكم هي وحدها التي تستطيع نقض قرارات اللجنة، بيد أن الاتفاق الموقع في 11 نوفمبر ينص على وجوب أن يعمد مجلس النواب إلى نقض قرار صادر عن هيئة المساءلة والعدالة.

سلطة المالكي تعززت
لقد خرج المالكي من المعركة في موقع قوي ــ وربما أقوى مما كان عليه قبل الانتخابات كونه مارس لعبته السياسية بعزم ومهارة وأكثر من مجرد تجاهل بسيط للقانون. واستطاع، وهذه مفارقة، أن يحصل على دعم الولايات المتحدة وإيران على السواء، وللسبب عينه ربما، ظهر منذ البداية بأنه المرشح الأقوى. واكتسب لنفسه خلال ولايته الأولى قدرا كبيرا من السلطات الشخصية والرسمية التي يمنحه إياها منصبه.
كان المالكي متعنتا خلال الحملة الانتخابية، ودعم قرار هيئة المساءلة والعدالة حظر عدد كبير من المرشحين. وعندما نال ائتلافه أصوات أقل بصوتين من ذاك الذي نالته قائمة العراقية، عمل أولا على تأخير التصديق على الانتخابات عبر المطالبة بإعادة تعداد الأصوات في بغداد (لم تتغير النتائج)، ثم عبر تعطيل تشكيل الحكومة حتى تمكن من الحصول على كتلة رابحة في مجلس النواب. لذلك لم يستسغ قط فكرة تكليف أحد سواه تشكيل الحكومة الجديدة.
في الأثناء، أصر المالكي على أنه ليس مجرد رئيس حكومة تصريف أعمال، بل رئيس بكامل الصلاحيات ـ. فخلال زيارته دمشق في أكتوبر مثلا، وقع اتفاقا تجاريا مع سوريا متجاهلا الانتقادات بأن ذلك يشكل تجاوزا لصلاحياته كرئيس لحكومة تصريف أعمال. وعندما رفضت الأحزاب المنافسة له، لا سيما غالبية الأحزاب الشيعية، تسلمه رئاسة الوزراء لولاية ثانية، ذكر العراقيين مرارا وتكرارا بأنه كان خلال توليه المنصب قائدا للقوات المسلحة، وهو كلام دقيق إنما ينطوي على تهديد عند التفوه به في سياق معركة سياسية داخلية. في الواقع، ليس المالكي قائد القوات المسلحة وحسب، بل إن الوحدة الخاصة في العاصمة المعروفة بلواء قوات فرض القانون تابعة له مباشرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض أجهزة الاستخبارات ولواء مكافحة الارهاب. لذا يصعب تصديق أن المالكي سيطبق بكل طيبة خاطر اتفاقا من شأنه أن يكبح سلطته.

الدعم الأميركي والإيراني
كما أن الدعم الذي حصل عليه المالكي من كل من واشنطن وطهران ساعده في تشكيل الحكومة، بعدما واجه عقبتين: الأحزاب الشيعية الأخرى التي أرادت التحالف مع ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه لكنها لم ترده رئيسا للوزراء؛ وإصرار العراقية على أنه من حقها تشكيل الحكومة بعد تقدمها على ائتلافه بمقعدين نيابيين. في النهاية، حملت الضغوط الإيرانية الأحزاب الشيعية على الموافقة.
على المالكي، أولا من خلال إقناع مقتدى الصدر بدعمه، ومن ثم عبر جعل الأعضاء الآخرين في التحالف الوطني، أي حزب الفضيلة والمجلس الأعلى الإسلامي ومنظمة بدر، يتخلون عن ممانعتهم لتولي المالكي رئاسة الوزراء. والولايات المتحدة هي التي أقنعت في نهاية المطاف علاوي وقائمة العراقية بالانضمام إلى حكومة وحدة وطنية يرأسها المالكي.
المالكي هو الآن رئيس الوزراء المكلف. أمامه 30 يوما لتشكيل حكومة وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها. وسوف تقدم المفاوضات والمساومات على المناصب الحكومية في الأسابيع المقبلة، بعض المؤشرات حول ما إذا كان اتفاق 11 نوفمبر سيصمد أمام واقع سياسة النفوذ. وإذا لم يتم إقرار القانون الذي ينص على إنشاء المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا، ولم يرفع الحظر عن السياسيين السنة الثلاثة، فعلى الأرجح أن الاتفاق سيذهب أدراج الريح. فربما استبق علاوي بكل بساطة، بإعلانه موت {الاتفاق}، انهيارا من المحتوم أن يحصل في مختلف الأحوال.

* ينشر بترتيب مع نشرة الاصلاح العربي الصادرة عن مؤسسة كارينغي للسلام الدولي.