ماجد عزَّام

بدا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الاخيرة للولايات المتحدة الاميركية كمن يتفقد انصاره ومحازبيه وحلفائه من الجمهوريين والاحتفال معهم بالانتصار الساحق في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وفي السياق استعراض القوة ليس فقط مقابل الرئيس باراك اوباما وإدارته وانما مقابل العالم كله ايضا.
بداية يجب الانتباه الى انه وللمرة الاولى منذ عقود يذهب رئيس وزراء اسرائيلي الى اميركا من دون ان يلتقي الرئيس. عندما برمج نتنياهو زيارته كان يعلم بجولة اوباما الاسيوية الطويلة في التوقيت نفسه، ورغم ذلك تعمد الذهاب-كان بإمكانه طبعا مخاطبة المؤتمر عبر القمر الصناعي- لايصال رسالة الى اوباما انه بات قوياً جدا في واشنطن لدرجة انه يستطيع الاستغناء عن لقاء الرئيس، فحلفاؤه وانصاره من اعضاء الكونغرس الجدد يغنونه ويفون بالغرض، او على الاقل يعززون موقفه مقابل البيت الابيض والادارة بشكل عام.
رئيس الوزراء الاسرائيلي استغل الزيارة للالتقاء المباشر مع الجمهوريين الجدد الفائزين في انتخابات الكونغرس الاخيرة علما انه يعرف عددا كبيرا منهم بشكل شخصي ويعتبر حتى بمثابة الملهم الفكري والسياسي بالنسبة اليهم. يمكن توقع انه رسم خارطة الطريق وحدد الاولويات التي يجب العمل عليها وكيفية استغلال وجودهم في الكونغرس من اجل تحقيق المصالح الحيوية-المشتركة- لاسرائيل وفق فهمه الخاص والمتطرف لها.
لا يقل اهمية مما سبق ان نتنياهو المنتشي بفوز انصاره وحلفائه ومريديه من الجمهوريين الجدد أفصح في خطاب نيو اورليانز عن الخطوط العريضة لرؤاه وتصوراته السياسية: ليس هناك اهتمام جدي بالقضية الفلسطينية كونها غير ملحة ويمكنها الانتظار برأيه او على الاقل بلورة حلول مرحلية وانتقالية لها تمتد عشرات السنين، اما الاكثر إلحاحا حسب نتنياهو فيتمثل بإيران وملفها النووي، ومقاربة هذا الملف لا يمكن ان تتم بعيدا عن الخيار العسكري عبر التهديد به بشكل مصداق حسب تعبيره الحرفي لإجبار ايران على وقف مشروعها النووي في تحريض صريح على العنف وتأجيج اجواء التوتر والفوضى في المنطقة عوضا عن خلط وتزوير الوقائع وتصوير ايران وكأنها الخطر المركزي على المنطقة لإبعاد النظر وحرف الانتباه عن الاحتلال الاسرائيلي وتجلياته المختلفة من استيطان وتهويد وقمع للشعب الفلسطيني ناهيك عن اثاره السلبية العامة على المنطقة بل والعالم ايضا.
امر لافت آخر حصل على هامش الزيارة وتمثل بالاعلان عن خطط لبناء ألفي وحدة استيطانية فى محيط القدس-جبل ابوغنيم- كما عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة في مستوطنة ارئييل التي تتوغل عشرات الكيلومترات شمال الضفة الغربية وتمنع التواصل الجغرافي والبشري الفلسطيني في المنطقة. الخطوة عبرت في الشكل عن التحدي والاستهزاء بالمطالب الفلسطينية والعربية والدولية كما سعت في السياق الى جس نبض ادارة اوباما بعد نتائج انتخابات الكونغرس عوضا عن تكريس فكرة ان كبح الاستيطان -كما قال نتنياهو لم يعد على الطاولة وعلى الجميع التأقلم مع هذه الفكرة او دفع ثمن كبير لا يمكن رفضه مقابل تأجيل هذه الخطط والاكتفاء بإكمال الشقق قيد البناء حاليا والبالغة قرابة الف وستمائة وحدة استيطانية معظمها في المستوطنات المحيطة بالقدس.
المعطيات السابقة كانت حاضرة بالتأكيد في اللقاء الماراثوني لنتنياهو الخميس الماضي مع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون والذى استمر لثمان ساعات-بدلا من ساعتين- وتمت فيه بلورة حزمة الضمانات الاميركية الامنية والسياسية غير المسبوقة للدولة العبرية مقابل كبح مؤقت وجزئي للاستيطان لثلاثة شهور يسمح باستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وإنهاء جمود عملية التسوية كونه ضاراً ومؤذياً للمصالح الاميركية ومفيداً جدا للمتطرفين ومعارضي التسوية بإطارها الحالي حسب تصريحات اميركية وحتى عربية-اعتدالية- متطابقة علما ان نتنياهو يتحدث عن اتفاق امني واستراتيجي وليس مجرد ترتيبات او تفاهمات وجزء منه سيظل سرياً وغير معلن مع الانتباه الى ان مغزاه الجوهري يتعاطى مع القضية الفلسطينية او بالاحرى حل الصراع كوسيلة لتكريس الهيمنة الاسرائلية وتحجيم نفوذ معارضيها والرافضين للمقاربة الاميركية غير العادلة او المنصفة تجاه الاوضاع في المنطقة.
عموما اكدت الزيارة والاحداث التي رافقتها والرسائل التي وجهت عبرها ان وجهة اسرائيل ليست بالتأكيد نحو السلام بل نحو الحرب والعنف، كما اكدت ان الجهود الاميركية الساعية الى انتشال عملية التسوية من جمودها لم ولن تؤدي الى اي نتيجة جدية ذات بال لا الآن ولا فى المستقبل كونها تبحث فقط عن تكريس وضمان المصالح المشتركة مع اسرائيل بغض النظر عن المصالح الفلسطينية والعربية كما مصالح اهل المنطقة وشعوبها.