سعد محيو
نعمة من السماء ربما هبطت على لبنان، عشية صدور لعنة القرار الظني حول اغتيال رفيق الحريري .هذه النعمة التي تنفي اللعنة، أو على الأقل تضعضعها، هي الفضائح التي تحيط بمحكمة دولية أخرى أهم بكثير من المحكمة الخاصة بلبنان: محكمة الجنايات الدولية في لاهاي المتخصصة بمقاضاة مجرمي حروب الإبادة وانتهاكات حقوق الإنسان .
فقد كُشف النقاب قبل أيام أن هذه المحكمة التي تضم 18 قاضياً، وعدداً كبيراً من المدعين العامين، وتمتلك موازنة بعشرات الملايين وزنزانات سجن خاصة بها، فشلت فشلاً ذريعاً في إجراء محاكمة عادلة لوليام شاباس، قائد ميليشيا اتحاد الوطنيين الكونغوليين، المتهم باستغلال الأطفال جنسياً ومادياً واستخدامهم كجنود .
فالقضاة أنهوا مداولات المحاكمة مرتين خلال سنوات المحاكمة الأربع ثم أطلقوا سراح شاباس، بعد أن اكتشفوا أن فرق البحث والتحقيق التابعة للادعاء العام أخطأوا في التعاطي مع المعطيات، واعتمدوا على شهود زور لمحاولة تعزيز الاتهامات ضد شاباس .
هل يذكرنا هذا بشيء ما؟
حتماً . وبشيئين اثنين لا واحد:
الأول، أن شهود الزور موجودون أيضاً في محكمة لبنان أيضاً، وهم لعبوا (باعتراف رئيس الوزراء سعد الحريري) دوراً كبيراً في تضليل التحقيق، ثم في تسييس عمل المحكمة لدفعها إلى اتهام سوريا بعملية الاغتيال .
والثاني، أن طبيعة مداولات المحاكمة في كلا الحالتين الكونغولية واللبنانية، تشي بمدى تأثير المصالح الخارجية والمحلية السياسية عليها .
ففي الحالة الكونغولية، تبيّن أن الدول التي تحتضن شركات المعادن الثمينة (والكونغو غني بها)، لهم مصلحة عليا في استخدام شاباس كبش محرقة وإلباسه تهم جرائم الأطفال، بهدف تبييض صفحة قادة الحكومة الحالية المتحالفين معهم والذين يُسهّلون استغلالهم (نهبهم في الواقع) لهذه الثروات الطبيعية .
وفي الحالة اللبنانية، بات واضحاً مدى التسييس الذي ابتليت به التحقيقات الدولية منذ انطلاقها العام ،2006 ودور العديد من الأطراف في استخدام شهود الزور والأدلة المزوّرة لتوجيه أصابع الاتهام نحو سوريا في البداية، ثم حزب الله (ومن ورائه إيران) الآن .
أهم الأدلة التي سيعتمد عليها القرار الظني هي الاتصالات الهاتفية بين من يُقال أنهم أعضاء في حزب الله، والتي أشرفت على تحليلها شركة بريطانية يشك بعلاقتها بrdquo;إسرائيلrdquo; . هذه الأدلة قد يثبت الآن أنها مُزوّرة هي الأخرى، خاصة بعد أن اعتقلت السلطات اللبنانية قبل أشهر موظفين في شركة ألفا للهاتف المنقول واتهمتهما بالتجسس لمصلحة ldquo;إسرائيلrdquo; والعمل معها . وهذا الاختراق ldquo;الإسرائيليrdquo; العميق لجهاز الاتصالات اللبناني، أثار تساؤلات جدّية وكبرى حول دور محتمل لتل أبيب في تزوير الاتصالات الهاتفية أوالتلاعب بالأدلة .
كل هذه المعطيات، أي فضائح محكمة الجنايات الدولية، مضافاً إليها التباسات محكمة لبنان، تضع بين أيدي القادة اللبنانيين الرافضين للفتنة المذهبية في البلاد قرائن دسمة، ليس فقط لتجنّب الوقوع في فخ هذه الفتنة بل أيضاً لكشف الأطراف التي تقف وراءها .
الخطوة الأولى نحو هذا الهدف تكمن في تعاطي الحكومة اللبنانية بصرامة مع مسألة شهود الزور، ثم مع القرار الظني، عبر الظن به وبمصداقية أدلته . ومن بعدها، قد يتكفل قضاة المحكمة أنفسهم بتعرية معطيات الادعاء العام كما فعلوا في الحالة الكونغولية .
إنها النعمة وقد توافرت لمحق اللعنة .
التعليقات