علي الغفلي

وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرار ldquo;الفيفاrdquo; منح قطر حق استضافة مباريات كأس العالم في العام 2022 بأنه خطأ . فخرج أوباما عن حدود اللياقة التي كان يتعين عليه أن يلتزمها في مثل هذه المواقف . عرف عن هذا الرئيس تحديداً قدراته الخطابية التي لا يشق لها غبار، من خلال حسن ترتيب الأفكار والتفنن في التعبير عنها، ولكن يبدو أنه قد فقد كل ميزاته الكلامية ولم يسعه سوى أن يصف فوز قطر في منافسة استضافة مونديال 2022 بأنه ldquo;خطأrdquo;، عوضاً عن المبادرة إلى تقديم التهنئة الخالصة إلى القطريين .

لا شك أن مشاعر الأمريكيين تجاه ذهاب قرار ldquo;الفيفاrdquo; إلى غيرهم غارقة في المرارة، ولكن كان يتعين على رئيس الولايات المتحدة أن يدرك أن القرار يشكل محاولة لإعطاء فرصة الاستضافة لدولة أخرى جديدة أثبتت من خلال ملفها الحافل والقوي، أنها تمتلك المسؤولية اللازمة للقيام بأعباء استضافة هذا الحدث الضخم، ولم يكن القصد من وراء القرار إهانة أو معاقبة أو مقاطعة الولايات المتحدة أو أي واحدة من الدول الأخرى المتنافسة . إن تأكيد المجادلة القطرية على أن الشرق الأوسط يستحق أن يحظى بشرف تنظيم مباريات كأس العالم، شأنه في ذلك شأن كافة أقاليم العالم التي نالت ذلك الشرف من قبل، هي مجادلة صحيحة تماماً، وكان ينبغي على القيادة الأمريكية أن تكون هي ذاتها الأكثر حرصاً على منح الشرق الأوسط مثل هذه الفرصة، لأن من شأن ذلك أن يعزز صورة المنطقة على أكثر من صعيد، أمنياً واقتصادياً وتنموياً، وهي تماماً العناصر التي كان الرئيس أوباما يؤكد عليها في أثناء خطاباته الموجهة إلى دول وشعوب وحكومات العالمين العربي والإسلامي .

لا يتفق رد فعل الرئيس أوباما مع التصورات المزدهرة التي كان يتحدث عنها ويرغب في أن يراها تتحقق في مستقبل الشرق الأوسط، ولكنها تتفق مع روح العنجهية الأمريكية التي هيأت له أن انحصار المنافسة بين دولته العظمى ودولة صغيرة مثل قطر كان يجب أن يحسم القرار لمصلحة الولايات المتحدة . يبدو أن أوباما يتنكر لواحد من أهم المبادئ الليبرالية التي ينبغي أن يؤمن بها، والمتمثل في حق كافة الأطراف الدولية في الدخول في المنافسات والمساومات المشروعة، وضرورة احترام نتائج هذه المنافسات طالما التزمت معايير واضحة ومتفقاً عليها منذ البداية . كما يتنكر رد فعل أوباما لمبدأ ليبرالي آخر، يتحدد في حق كافة الأطراف في السعي إلى تحقيق مصالحها بالوسائل المشروعة، دون أن يعني ذلك على الإطلاق أن يحصل طرف واحد على كل المكاسب في كل المرات، أو أن يعني أنه يتعين على كافة الأطراف الأخرى أن تقبل بالخسارة الكاملة دائماً في كل الأوقات . لقد استضافت الولايات المتحدة كأس العالم في العام ،1994 وعلى الرغم من أنها كانت متفوقة في كافة النواحي التنظيمية، إلا أن هذا لا يعني أن دولة أخرى مثل قطر لا تستحق الحصول على هذا المكسب، أو أنها قد لا تكون قادرة على تحقيق مثل ذلك النجاح .

هل نحن أمام أوباما جديد، يختلف عن ذلك الذي كانت شعوب المنطقة تتطلع إليه على مدى نحو عامين؟ الإجابة عن هذا السؤال تميل إلى الإيجاب، وليست حلقة المنافسة على استضافة مباريات كأس العالم بعد اثنتي عشرة سنة إلا دليلاً إضافياً على أن الرجل لم يعد يستحق ذلك القدر الكبير من الثقة المتفائلة على إحداث التغييرات التي وعد بها . على أقل تقدير، صار من الواضح أن المنظور العالمي لدى الرئيس أوباما هو في الحقيقة أقل تسامحاً من المنظور العالمي لدى جوزيف بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم . ببساطة تامة، إن الشخصية القيادية لدى باراك أوباما أضعف من أن تحدث الفارق العالمي الذي يتطلع الجميع إليه .

ينبغي أن يكون لدى كوريا الجنوبية مثل هذه القناعة بخصوص المدى الحقيقي لقوة قيادة الرئيس الأمريكي الحالي، ويتعين عليها أن تكون حذرة تماماً في تقدير الدور القيادي الذي يمكن أن يلعبه أوباما في الصراع بين الكوريتين . لقد تجرأت كوريا الشمالية قبل بضعة أشهر على مهاجمة وإغراق قطعة عسكرية بحرية تابعة لكوريا الجنوبية، وقتل أكثر من أربعين من أفرادها، ولكن واشنطن فشلت في تشكيل رد فعل قوي يناسب فداحة الهجوم الذي تعرضت له حليفتها . ومرة أخرى، تجرأت كوريا الشمالية قبل نحو أسبوعين على قصف مواقع عسكرية تابعة لكوريا الجنوبية بشكل مكثف، وقتلت جنديين، ولم تتمكن واشنطن من تقديم الموقف القيادي الحقيقي لمناصرة حليفتها . وفي الحالتين، اكتفت واشنطن بتنظيم مناورات عسكرية مشتركة مع سيؤول، وهي ردود أفعال لا تكتم كوريا الشمالية الاستخفاف بها .

كما يتعين أن يكون لدى الحكومات والشعوب العربية كافة سبب حقيقي للاعتقاد أن القدرات القيادية لدى الرئيس أوباما تكاد تكون معدومة حين يتعلق الأمر بالساحة الدولية . إن الدليل القاطع في هذا الشأن يتجسد في التعامل الهزيل، بل الهزلي، الذي تلهو من خلاله إدارة أوباما مع مسألة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني . تشدد أوباما في الضغط على السلطة الفلسطينية من أجل جرها إلى مفاوضات السلام المباشرة وغير المباشرة مع حكومة نتنياهو خلال العام الحالي، وتوعدها بالعقوبات المؤلمة إن هي لم تفعل، ولكنه فشل بعد ذلك بشكل ذريع في قيادة المحادثات إلى أية مراحل تالية فاعلة، ناهيك بالوصول بها إلى أية نهاية واضحة . وأبى أوباما إلا أن يتوج أداءه القيادي البائس في شأن المسألة الفلسطينية من خلال إهداء نتنياهو الوعد بعدم مطالبته بأي تجميد آخر لأنشطة الاستيطان في الأراضي المحتلة إن هو قبل بوقف الاستيطان لمدة ثلاثة شهور . كان عرض أوباما عرضاً مشيناً، وأداء سياسياً مخزياً، يخرجه بشكل كامل من نطاق كل من القيادة والدبلوماسية، ويهوي به في غياهب التبعية والفوضوية، ولم يسهم رفض نتنياهو قبول هذا العرض، إلا في الإمعان في ازدراء صاحبه .