سعد محيو
الأديان الرئيسة في العالم تندفع للإفادة من العولمة، لكن هذه الأخيرة كما قلنا بالأمس لن تقف مكتوفة الأيدي، ولأنها تُمسك بكل صنابير الاقتصاد والعلم والتكنولوجيا، ستعمل أيضاً على محاولة تجيير الانقلابات الدينية والثقافية في العالم لمصلحتها .
النموذج الأول لهذه المحاولة كان توجّه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان إلى استيعاب ما بات يسمى ldquo;الثورة الأصولية المسيحيةrdquo; الثالثة، ووضعها في خدمة العولمة . ولم يكن مصادفة بالطبع، أن يكون ريغان ldquo;المؤمن الذي ولد من جديد على يد الروح القُدُسrdquo;، هو نفسه بطل الرأسمالية المتوحشة الجديدة التي عملت على نسف دور الدولة في الاقتصاد والأمن الاجتماعي .
والآن تتكرر في الولايات المتحدة الدعوات إلى توجهات ريغانية مماثلة، وعلى سبيل المثال، جادل العالم السياسي الأمريكي وولتر رسل ميد مؤخراً بأن ldquo;الصعود العالمي الجديد للمسيحية يجب أن يكون أمراً طيباً للسياسة الخارجية الأمريكية، لأن المسيحية هي أكثر الأديان الموالية لأمريكاrdquo;، على حد قوله .
بيد أن توماس بارنيت، أبرز مفكري البنتاغون، كان أوضح من ذلك بكثير، حين دعا إلى استخدام القوة العسكرية لتصفية المتمردين دينياً ثقافياً واقتصادياً اجتماعياً على العولمة . يقول: ldquo;أي دولة أو منطقة تكون فاعلة (أي مرضياً عنها من العولمة)، إذا ما كانت تتفاعل مع مضمون التدفقات الفكرية والإعلامية والمالية التي تتأتى من خلال إدماجها ما هو قومي بما هو اقتصاد عالمي . وأي دولة أو منطقة تكون فاعلة حين تسعى إلى تنسيق ldquo;قواعد حكمها الداخليrdquo; مع الحكم العالمي الصاعد للديمقراطية، وحكم القانون، والأسواق الحرة (مثلاً عبر الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية) . وبالتالي، إذا أخفقت دولة ما في الانضمام إلى العولمة، أو رفضت الكثير من تدفقاتها الثقافية، فإنها ستجد في النهاية القوات الأمريكية على أراضيها .
ومن خلال مسحه ل140 عملية عسكرية أمريكية في فترة التسعينيات، يكتشف بارنيت أن القوات الأمريكية ذهبت بالتحديد إلى الدول الواقعة خارج مركز العولمة التي يسميها ldquo;الفجوة غير المندمجةrdquo;، وهي: حوض الكاريبي، إفريقيا، البلقان، القوقاز، آسيا الوسطى، الشرق الأوسط وجنوب غربي آسيا، والكثير من جنوب شرقي آسيا .
سلاح السيطرة العسكرية (control) مهم بالتأكيد، لكن يبقى أن سلاح الهيمنة (Hegemony) يبقى هو الأهم، والعولمة النيوليبرالية تعوّل عليه عبر اعتمادها على الفرد المستهلك الاقتصادي، وليس المواطن المنتج للثقافة، كوسيلة لهذه الهيمنة، وهي تضع هذا الفرد في عزلة مقيتة يفرضها الاختصاص والاندفاع إلى تحقيق قدرات مميزة، حتى وهو يتبنى عقيدة دينية مطلقة أو يتقوقع في هويات دينية يعتقد أنها مغلقة في وجه العولمة .
معركة العولمة لاستيعاب الأنماط الجديدة من الصعود الديني لاتزال في بداياتها الأولى، وهي تحقق نجاحات واضحة في بعض المناطق (الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية)، وصعوبات وعراقيل في مناطق أخرى (الشرق الأوسط الإسلامي) . لكن طموحها الأكبر لايزال هو هو: توحيد العالم في قرية واحدة، ولاحقاً في حكومة واحدة، عبر تفتيته أولاً إلى ذرات (أفراد) صغيرة تعتمد في بقائها وازدهارها على ثورة التكنولوجيا والمعلومات التي تُوفّرها الشركات الكبرى متعددة الجنسيات . فهل تنجح؟ ربما .
التعليقات