مهنا الحبيل

مشكلة الجنرال ميشيل عون وفكرة حلفاء الأقليات أنها تعتمد على تحريك قواعد رقعة الشطرنج على طاولة منتظمة،‮ ‬والحقيقة أن لبنان‮ ‬يبدو حديقة من الرمال والوحل لا‮ ‬ينتهي‮ ‬قعره،‮ ‬متهدمة الأسوار،‮ ‬لا أرضاً‮ ‬صلبة ممكن أن‮ ‬يقاس عليها مستقبل انتصار المحور الإيراني،‮ ‬وإن كان هذا المحور حقق انتصاراً‮ ‬كبيراً‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقلل منه،‮ ‬وبرز ذلك في‮ ‬حالة الولاء والاندماج مع القومية الفارسية التي‮ ‬برزت لأول مرة بهذا المظهر الأيدلوجي‮ ‬والثقافي‮ ‬خلال زيارة الرئيس نجاد،‮ ‬وأيضاً‮ ‬لا‮ ‬يقلل ذلك من نجاح دمشق في‮ ‬استغلال الحالة العربية الرسمية ثم تفريغها،‮ ‬ووراثة بعض الأطراف المحسوبة عليها،‮ ‬وتأديب الأخرى،‮ ‬وبالتالي‮ ‬تسيد دمشق للساحة من جديد،‮ ‬كل ذلك قد لا‮ ‬يغير في‮ ‬السيناريو الأكبر الذي‮ ‬لا‮ ‬يعيره تحالف الأقليات اهتماماً‮ ‬في‮ ‬لبنان‮. ‬

فمسألة سقوط المستقبل وعجزه عن تبلوره كقوى ردع لمصلحة الحالة السنية من تبعات الحرب المحتملة أو توازنه الضعيف لمصلحة الاستقرار الوطني‮ ‬هي‮ ‬تحصيل حاصل،‮ ‬بمعنى أن هذا السقوط مرجح بصورة كبيرة‮.‬

بالتالي‮ ‬فإن تشكل قوى من الغالبية العروبية المواجهة لتوازنات المحور الإيراني‮ ‬والأمريكي‮ ‬و‮ ''‬ش‮ ‬‭-‬‮ ‬ت‮'' ‬أي‮ ‬دمشق-تل أبيب ستنطلق من نسيج آخر خارج تيار المستقبل أخذاً‮ ‬في‮ ‬الحساب أنه بعد الصراع ليس قضية المحكمة الدولية التي‮ ‬قد تتراجع في‮ ‬كل السيناريوهات،‮ ‬إنما المفصل هي‮ ‬حالة التغيير المطلوب الذي‮ ‬يطرحه الائتلاف الطائفي‮ ‬والجنرال عون،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإن حراك الاستفزاز الضخم الذي‮ ‬يستهدف قوى الغالبية العروبية في‮ ‬المنطقة وعنصرها الإسلامي‮ ‬المتوهج،‮ ‬ستخلق رد فعل لا‮ ‬يخضع لحسابات السيطرة السورية للأرض اللبنانية في‮ ‬الداخل بعد‮ ‬‭,‬1991‮ ‬هذا كبعد ذاتي‮ ‬للقوى المستقلة عن المحورين في‮ ‬الغالبية العروبية والتي‮ ‬ستشكل قوى تمثيل أخرى لمواجهة حالة التغول الطائفي‮ ‬عليها مع إدراك المجتمع الأهلي‮ ‬أن مهمة مواجهة هذا الحراك ستبقى مرهونة بيد حزب الله‮ ‬ليتحول بصورة استراتيجية لمليشيات طائفية في‮ ‬اشتباك مع الحالة السنية،‮ ‬وإن هدأت في‮ ‬أول دورة بعد الحرب التي‮ ‬يبشر بها الجنرال عون،‮ ‬وهو‮ ‬يعني‮ ‬حريقاً‮ ‬طائفياً‮ ‬كبيراً‮ ‬لا‮ ‬يستطيع الإيرانيون ضبطه لمصلحتهم فضلاً‮ ‬عن حسابات عون‮.‬

قد‮ ‬يكون التصور المواجه هو تولي‮ ‬الجنرال عون الرئاسة بعد اضطراب الأمور ودفع سليمان للاستقالة وبالتالي‮ ‬مواجهة الأحياء السنية عند تفاقم الأزمة عبر الجيش اللبناني‮ ‬المدعوم طائفياً،‮ ‬ومن دمشق بدلاً‮ ‬من حزب الله،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬تمزق المؤسسة العسكرية،‮ ‬وهو‮ ‬يعني‮ ‬أيضاً‮ ‬حرباً‮ ‬أهلية شاملة،‮ ‬إن مراهنة الجنرال عون على عزل الحالة السنية مسيحياً‮ ‬لتمهيد الطريق أمام مواجهتها من الائتلاف الطائفي‮ ‬باعتبار أن ذلك‮ ‬يؤمن المجتمع المسيحي‮ ‬كما حصل مع بيروت الشرقية في‮ ‬بعض مراحل الحرب الأهلية‮ ‬يبدو خياراً‮ ‬ساذجاً‮ ‬وأحمق‮.‬

إن دوائر العنف ما بعد حروب الولايات المتحدة وانشطارات الحالة الطائفية في‮ ‬كل جهة وبلد،‮ ‬وماء النار المتنقل عابر الحدود لن‮ ‬يُبقِ‮ ‬حالة السلم الأهلي‮ ‬تدار بمزاج الريموت كنترول،‮ ‬فتُشعل في‮ ‬جهة وتُخمد في‮ ‬الحي‮ ‬المقابل؛ بل سيسدد ضريبته الجميع،‮ ‬خاصة في‮ ‬ظل عنف وحشي‮ ‬أعمى‮ ‬ينتقل للمدنيين،‮ ‬قبل أن‮ ‬يصل لمحاسبة السياسيين،‮ ‬وإن عزل لبنان عن الغالبية العروبية‮ -‬كما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬العراق الذي‮ ‬لم‮ ‬يهدأ‮- ‬لن‮ ‬يتم كمسطرة‮ ''‬سايكس بيكو‮'' ‬والرصد المتأمل‮ ‬يكفي‮ ‬للفهم والاستنتاج،‮ ‬إضافة إلى أن وضع المجتمع المسيحي‮ ‬اللبناني‮ ‬في‮ ‬زاوية التخندقات ثم إشعال الفتيل في‮ ‬الشارع،‮ ‬قضية خطيرة على مستقبل العلاقات الأهلية،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن تقاطعات أي‮ ‬صراع سياسي‮ ‬خارجي‮ ‬أراد أن‮ ‬يصفي‮ ‬حسابات مرحلة،‮ ‬أو‮ ‬يُصفي‮ ‬الساحة لعودته فتشتعل أعواد الثقاب في‮ ‬مخازن ذخيرة لا‮ ‬يمكن أن تنطفئ إلا بعد حين‮.‬

إن المسيحيين العرب عاشوا تاريخهم الحضاري‮ ‬الأول والأخير في‮ ‬ظل التوازن الطبيعي‮ ‬للغالبية العروبية وتشريعها وحضارتها الإسلامية،‮ ‬ونحن هنا لا نتحدث عن هيكل سياسي‮ ‬بل نقصد المفهوم الشامل للاستقرار والانتماء العربي،‮ ‬وكان سلمهم الأهلي‮ ‬مصاناً،‮ ‬فيما عوامل التخلف عن العدل والقيم كانت تظلم المسلمين قبل‮ ‬غيرهم‮ .‬

وعلى حزب الله والائتلاف الشيعي‮ ‬في‮ ‬لبنان أن‮ ‬يجردوا الحسابات جيداً،‮ ‬وماذا تعنيه تهديدات الجنرال عون ونعيم قاسم من فتنة طائفية شاملة،‮ ‬ولعل المخرج المرحلي‮ ‬طويل المدى‮ ‬يتوقف بصورة كبرى على تقديم ضمانات من حزب الله أنه لا‮ ‬يسعى إلى تطبيق مشروعه التغييري‮ ‬الانقلابي‮ ‬الموجه للحالة السنية مقابل أن تسعى الوساطة العربية إلى تحييد المحكمة الدولية كلياً‮ ‬عن التأثيرات السياسية أو الأمنية ضد حزب الله حتى ولو أعطت الأدلة الظنية مؤشرات على علاقة محددة،‮ ‬فهنا القضية توازن سياسي‮ ‬دقيق‮ ‬يفترض تأجيل أي‮ ‬حراك قد‮ ‬يشعل المنطقة ويفجر ما تبقى منها‮.. ‬وحينها فإن العمل على إيقاف الحرب المجنونة أشد وأعقد من فرصة تجنبها‮..‬

فهل‮ ‬يتحد الجميع لمصالحهم أو لمبادئهم على نزع الفتيل النووي‮ ‬الطائفي‮ ‬الخطير؟