إميل أمين
هل انطلقت حرب ldquo;إسرائيلrdquo; الدينية على المقدسات الاسلامية والمسيحية سوية كي يتحقق لها مرامها النهائي المتمثل في تهويد المدينة المقدسة بنوع خاص؟
في هذا المكان كتبنا مرات ومرات عن المخططات ldquo;الإسرائيليةrdquo; التي تحاك في الليل البهيم للمسجد الأقصى، والارهاصات الأخيرة تشير إلى أن الأيام المقبلة ربما تحمل خطراً غير مسبوق، سيما بعد ان امتلكت نبوءة مزيفة من ضروب النبوءات التي يطلق عليها ldquo;Self Prophecyrdquo; أي التي تحقق ذاتها بذاتها عقول الآلاف من اليمينيين ldquo;الإسرائيليينrdquo; المتشددين، وفحوى النبوءة المكذوبة أن هناك قراءات توراتية تشير الى أن يوم السادس عشر من مارس/آذار المقبل هو اليوم الذي يجب فيه هدم الأقصى وبداية التاريخ الفعلي والعملي لبناء الهيكل اليهودي الجديد وهي نبوءة بلا أدنى شك منحولة، فالكتاب المقدس بعهديه الجديد والقديم يخلو من ادنى تلميح في هذا الشأن .
على أن الأمر الجديد في حرب ldquo;إسرائيلrdquo; هذه المرة انها تطرح وعبر ما تسرب من أخبار فكرة ضم كنيسة القيامة بدورها لقائمة التراث اليهودي . وكنيسة القيامة تمثل عند مسيحيي العالم شرقاً وغرباً صلب العقيدة المسيحية وتتساوى بذلك من حيث القدسية والأهمية مع المسجد الاقصى المبارك .
هل يعني ما تقدم أن الأحقاد اليهودية في فلسطين لن تتوقف عند المقدسات الاسلامية بل ستمتد عما قريب الى المقدسات المسيحية بدءاً من كنيسة القيامة وهلم جرا؟
نستطيع القول إن الأحقاد اليهودية تجاه المسيحية ومقدساتها قائمة هناك منذ عام 33 ميلادية وانه اذا كان اليوم هو موعد الأقصى فغدًا يحل الدور ولا شك على كنيسة القيامة، والدليل على ذلك قد تراءى أمام أعين الناظرين من خلال المهانة والامتهان الكبيرين اللذين شهدتهما كنيسة المهد في حصارها المشهور عام 2002 .
وحتى لا تكون الكلمات ضرباً من ضروب الرجم بالغيم، فإننا نذكّر بالتقرير الصادر عن بطريركية اللاتين الكاثوليك في القدس الذي قام عليه المونسنيور ldquo;فيرجانيrdquo; في أعقاب حرب عام 1967 وفيه تظهر فظائع أعمالهم بما صنعوه بدير الآباء الفرنسيسكان في طبرية حيث دنسوا مصلى الكنيسة وقلبوا المذبح وكسروا تماثيل العذراء والقديس انطونيوس، وهناك أنزلوا تمثال السيد المسيح من على الصليب وألقوا بقنبلة يدوية على باب الكنيسة ولم يكتفوا بذلك بل مزقوا الأردية الكهنوتية المقدسة وألقوا بها على الأرض وفتحوا أوعية خبز القربان بالقوة وسرقوا كؤوس القربان وكسروا الصلبان .
وما حدث في ذلك الدير ليس إلا نموذجاً مصغراً مما جرى للعديد من الكنائس هناك والتي جاء على ذكرها المحامي المقدسي القدير عيسى نخلة الذي شغل منصب ممثل الهيئة العربية العليا لفلسطين في نيويورك في كتابه ldquo;اليهود يعملون على محو المسيحية من فلسطين المقدسةrdquo; .
هل الأمر يتوقف اذن عند التفكير في هدم الأقصى أم يمكن أن يمتد الى محو ما بقي من آثار ldquo;المشنوق ابن النجارrdquo; كما يفترون على السيد المسيح؟
الحاصل هو أن التاريخ اليهودي منذ اوائل العقد الرابع من القرن الاول الميلادي حيث انتهت حياة السيد المسيح مليء بالمؤامرات المحاكة ضد المسيحية والمسيحيين لمحو جذورها من أرض فلسطين وبالتبعية أية اثار تدل على وجودهم وذلك قبل عدة قرون من دخول الإسلام الى أرض فلسطين وقد بدا ذلك مع مؤامرات رؤساء كهنة اليهود في ذلك الوقت حنانيا وقيافا ولم يتوقف وصولا الى يوسف عوفيديا الذي يرى في العرب بمسلميهم ومسيحييهم مجرد عقارب وثعابين .
لماذا يضمر اليهود هذا الحقد الدفين للمقدسات المسيحية وان خفيت تلك الأحقاد في حركات تكتيكية حتى يحين الوقت الملائم لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية الكبرى؟
نقول انه ضمن أسباب كثيرة فان المقدسات المسيحية ووجودها يذكرهم بزيف دعوى بناء الهيكل ويبطل مقولة هدم الاقصى . . كيف ذلك؟
يرجع الأمر الى نبوءة السيد المسيح ذاته الذي تقدم تلاميذه منه ليروه ابنية الهيكل فقال لهم ldquo;أما تنظرون جميع هذه؟ الحق اقول لكم انه لا يترك هاهنا حجر على حجر لا ينقضrdquo; والأصل في الثيؤلوجيات ان لا ينقض المكتوب .
المسيحية تنافي وتجافي مفاهيمها ومعتقداتها الايمانية فكرة هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الذي قيل إن أحجاره قد قطعت حسب المقاييس التوراتية، وانه جرت تجربة تركيبه في ولاية انديانا الامريكية وفكه في خمسة أيام وتم شحنه الى ldquo;إسرائيلrdquo; .
ومن هذا المنطلق فان المسيحية عدو لدود ومقدساتها كذلك يجب الا تبقى اذا ما سدت السبل الى بناء الهيكل حتى لا تبقى في ldquo;أرض ldquo;إسرائيلrdquo;rdquo; أية آثار مسيحية أو اسلامية .
أما التساؤل الأهم لماذا يغض اليمين المسيحي المتطرف وبخاصة في الولايات المتحدة النظر عن النوايا الحقيقية ل ldquo;إسرائيلrdquo; وحكوماتها تجاه المقدسات المسيحية في الوقت الذي يشجعون ويباركون فيه الخطط الجهنمية الرامية لهدم الاقصى؟
نقول لأن اليمين الامريكي المتطرف يؤمن بأن بناء الهيكل شرط لعودة المسيح ثانية وعندها سيتحول من تبقى من اليهود للمسيحية حتى لو جاء ذلك على حساب تضحياتهم بأية مقدسات مسيحية . وبكل تأكيد وتحديد يجد العالم المسيحي نفسه في مواجهة الاصولية الأمريكية المخترقة، ذلك لأن الدعاوى التي تقوم عليها لا علاقة لها من قريب او بعيد بالنبوءات المسيحانية الأصلية، اضافة الى ادراك العقلاء منهم ان ما يدبر ويخطط اليوم في العلن للأقصى يحاك مثله وأشد منه في الخفاء للمقدسات المسيحية .
والحق ان الحديث عن هدم الاقصى يتطلب وقفة صادقة رسمية ومعلنة من الكنائس التقليدية الرسولية المسيحية البعيدة عن الاختراقات الصهيونية والافتراءات الامريكية تقي جرح مشاعر اكثر من مليار مسلم في صميم مقدساتهم، ولا سيما أن النصوص الانجيلية واضحة وصريحة في رفضها للدعوى ldquo;الإسرائيليةrdquo; المزيفة من جهة، وإدراكها لما يمكن أن يصيب المقدسات المسيحية ان لم يكن اليوم فغداً من جهة ثانية .
التعليقات