مكرم محمد أحمد

تكاد تجمع معظم التوقعات علي أن القمة العربية ـ التي ستنعقد في مدينة سرت الليبية قبل نهاية هذا الشهر ـ سوف تشهد في الأغلب خارج جدول أعمالها المعلن حدثين مهمين هماrlm;:rlm; المصالحة المصرية السوريةrlm;,rlm;

والمصالحة المصرية القطريةrlm;,rlm; خاصة أن الرئيسين مبارك وبشار الأسد قد وعدا بحضور القمة التي سوف يشهدها أيضا أمير قطر الشيخ حمد بن خليفةrlm;,rlm; كما أن كل الشواهد تؤكد أن ثمة أسبابا قوية تدعو إلي التفاؤل بإمكان أن يتحقق الأمرانrlm;,rlm; لعل أولهما الإحساس المتزايد داخل العالم العربي بضرورة حصار الخلافات العربية العربية والعمل علي رأب الصدع الذي أضعف وحدة الموقف العربيrlm;,rlm; لأن وحدة الموقف العربي تمثل الرد الوحيد الصحيح علي صلف الموقف الإسرائيلي الذي يكاد يغلق كل الأبواب أمام فرصة قيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي قابلة للنموrlm;,rlm; تعيش جنبا إلي جنب مع إسرائيلrlm;,rlm; ويصر علي استمرار عملية بناء المستوطنات في الضفة وحول القدس الشرقية ولا يأبه كثيرا بالموقف الأمريكي الذي يزداد ضعفاrlm;,rlm; وتصل وقاحته إلي حد الاصرار علي أن يدفع كل الأطراف إلي الحائط المسدود في تحد بالغ يتسم بالصلافة والاستكبارrlm;.rlm;
ويبدو أن الظروف مواتية أكثر لإنجاز المصالحة القطرية المصرية دون تعقيدات كثيرة في ظل الاشارات المتبادلة بين البلدين أخيراrlm;,rlm; تعكس الرغبة في تفاهم مشترك يجعل علاقات البلدين أكثر وداrlm;,rlm; التي عبرت عن نفسها في رسائل التقدير والتهنئة التي بعثت بها القاهرة إلي قطر للدور الذي قامت به في لم شمل الأطراف الدارفورية المختلفة وتهيئة مناخ ملائم لإنجاز تسوية سلمية لهذه المشكلة الصعبةrlm;,rlm; كما عبرت عن نفسها في رسائل التهنئة التي صدرت من كل أركان الحكم القطري إلي الرئيس مبارك بمناسبة الجراحة الأخيرةrlm;,rlm; فضلا عن التهدئة الواضحة في مواقف أجهزة الإعلام في البلدين التي كانت سببا في تصاعد الخلاف إلي حد الأزمةrlm;.rlm;
وبرغم استراتيجية العلاقات المصرية السورية وأهميتها البالغة لكل منهما وإحساس الجانبين المصري والسوري منذ قديم الأزل بأن توافقهما السياسي يعزز أمنهما المشترك ويقوي دعائم الأمن القومي العربيrlm;,rlm; فإذا شاركت السعودية وأصبحت واسطة العقد في هذا التحالف الثلاثيrlm;,rlm; دمشق القاهرة الرياضrlm;,rlm; انتظم ايقاع العالم العربي وتكامل دوره وزاد وزنه وقلت خلافاتهrlm;,rlm; وأصبح أكثر تأثيرا في عالمهrlm;,rlm; إضافة إلي ميراث عظيم من تآلف وتعاون بين الشعبين المصري والسوري وصل إلي حد الشراكة في حربrlm;73rlm; التي أنهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر وأدت إلي وقوع الزلزال الذي هز أعماق إسرائيلrlm;,rlm; وتوج علاقات قوية بين القيادة السياسية للبلدين علي عهد الرئيس الراحل حافظ الأسدrlm;,rlm; وبرغم كل هذا الميراث العظيم في علاقات مصر وسوريا تبدو المصالحة السورية المصرية الآن أكثر تعقيدا عما كان الوضع عليه قبل خمسة أعوام لدخول متغير جديدrlm;,rlm; يتمثل في هذا الزواج الكاثوليكي الذي يربط بين طهران ودمشقrlm;,rlm; والذي نجح خلال الأعوام الأخيرة في أن يحرف دفة السياسية السورية عن مسارها الصحيح الذي خطه الرئيس الراحل حافظ الأسدrlm;,rlm; الذي استطاع بحنكته البالغة أن يجمع قياد المسارين في يده بما مكنه من أن يوظف علاقاته مع إيران لتعزيز قدرة الموقف السوري وتوسيع خياراتهrlm;,rlm; دون أن تصبح علاقته مع إيران عبئا علي علاقاته العربية أو تمس مصالح الأمن القومي العربيrlm;,rlm; وبقيت سوريا ـ رغم علاقتها الخاصة مع إيران ـ كما كانت دائما قلب العروبة النابض يشكل انتماؤها العربي جزءا أساسيا من هويتها الذاتيةrlm;.rlm;
وينبغي ألا يفهم أحد من هذا القول إنه كان علي سوريا أن تختار بين علاقاتها مع مصر وعلاقاتها مع طهران لصعوبة الجمع بين النقيضينrlm;!,rlm; فقد كانت العلاقات المصرية السورية في تمام كمالها حتي اليوم الأخير من حياة الرئيس حافظ الأسدrlm;,rlm; ولم تكن هناك أية حساسية مصرية من علاقات دمشق مع طهرانrlm;,rlm; بل لعل هذا أبعد ما يكون عن تفكير القاهرة التي كانت ترجو لو أنها تمكنت هي الأخري من تطبيع علاقاتها مع طهران في اطار يرعي المصالح الأمنية لمصرrlm;,rlm; لكن طهران أخفقت في أن تتفهم المصالح الأمنية لمصر ورفضت تسليم ملفات أكثر منrlm;20rlm; إرهابيا مصريا تعطيهم ملاذا آمنا في إيرانrlm;,rlm; كما أخفقت في أن تتفهم المصالح الأمنية للعالم العربيrlm;,rlm; وحولت مصالح العرب العليا إلي مجرد أوراق تفاوض تخدم ملفها النوويrlm;,rlm; وجعلت سلام الشرق الأوسط مجرد رهينة في حسابات المواجهة مع قوي الغربrlm;,rlm; ومع الأسف طاوعت دمشق هذا التوجه عندما انحرفت دفة السياسة السورية علي مسارها الصحيحrlm;,rlm; ولم يعد في قدرتها أن توازن بين علاقاتها مع إيران ودورها في دعم الأمن القومي العربي كما كان الحال أيام الرئيس حافظ الأسدrlm;,rlm; لكن السوريين إحقاقا للحق رغم تورطهم ومشاركتهم في بعض الحملات علي مصر خدمة لمواقف طهرانrlm;,rlm; كما حدث عقب الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة عندما حاصرت المظاهرات السفارة المصرية في دمشق ـ كانوا يعرفون دائما أن هناك حدودا لهذه التجاوزات وأن هناك خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه حفاظا علي علاقات مصر وسوريا التي تظل رغم الخلافات القائمة رصيدا استراتيجيا يحرص الطرفان علي الحفاظ عليهrlm;.rlm;
وبرغم وجود خلافات عميقة في الرؤي بين القاهرة ودمشق حول مسار الشرق الأوسط وتوجهاته السياسية وتحالفاته المتناقضةrlm;,rlm; إلا أن الجانبين المصري والسوري تمكنا من الحفاظ علي مسار علاقاتهما الثنائية في الاتجاه الصحيحrlm;,rlm; حيث يتزايد حجم التجارة بين البلدين ليصل إلي حدود مليار دولارrlm;,rlm; ويتواصل الحوار بين البلدين في اطار عملية تشاور مستمر علي مستويات عديدة وتصر القاهرة رغم الخلافات القائمة علي أنها لا تحتاج إلي أي وسيط في تصالحها مع دمشقrlm;.rlm;
وقد لا تكون القاهرة بالفعل في حاجة إلي وسيط يجمع بين الرئيسين مبارك وبشار الأسد لأنهما اجتمعا قبل ذلك في قمة الكويت الاقتصادية في ضيافة الملك عبدالله عاهل السعوديةrlm;,rlm; ومن المؤكد أنهما سوف يجتمعان مرة ثانية في مدينة سرت الليبية إن حضرا القمة القادمةrlm;,rlm; لكن مشكلة المصالحة بين مصر وسوريا ليست مجرد تبويس اللحي في لقاء يتم بالأحضان علي قاعدة عفا الله عما سلفrlm;,rlm; لأن الجانبين عازمان علي فتح صفحة جديدة لأننا إزاء شريكين أساسيين في قضية سلام الشرق الأوسطrlm;,rlm; يشكل وجود أحدهما ضرورة هي في الحقيقة فرض عين إن كان الهدف هو القتال والحربrlm;,rlm; ويشكل وجود الآخر فريضة عين أخري إن كان الهدف صنع السلامrlm;,rlm; ومن الضروري أن يتكامل دور الاثنين لأنه لا حرب بدون القاهرة ولا سلام بدون دمشقrlm;,rlm; ما لم يتوافق هذان الشريكان علي حد معقول من الرؤي المشتركة يضمن وضوح الرؤية وصحة المسار إزاء المستقبل تصبح المصالحة عملا عبثيا لا طائل من ورائهrlm;.rlm;
وبالطبع فإن هدف مصر من المصالحة مع سوريا هو استعادة تحالفهما الاستراتيجيrlm;,rlm; اضافة إلي حلحلة قضية المصالحة الفلسطينية والاسراع بإنهاء الانقسام الفلسطينيrlm;,rlm; التي تؤكد دمشق الآن علانية خطورته علي مستقبل القضية الفلسطينيةrlm;,rlm; وتقديم المصلحة العربية علي مصالح أي قوي اقليميةrlm;,rlm; وتأكيد أهمية مساندة سوريا في حقها في استعادة كامل الجولان في اطار سلام شامل لم يعد يحتمل سياسة المراحل أو الخطوة خطوةrlm;,rlm; كما أن هدف سوريا من المصالحة مع مصر هو تعزيز صورتها كدولة عربية غير معزولة يسعي الأوربيون ويسعي الأمريكيون إلي الحوار معهاrlm;,rlm; والإقرار بحقها شريكا أساسيا في عملية السلام من حقها استعادة كامل الجولانrlm;,rlm; وقبولها ضامنا للمصالحة الفلسطينية بحرص علي تكافؤ فرص المعارضة الفلسطينية مع فرص السلطة الوطنية في مسئولية القرار الفلسطينيrlm;.rlm;
ولا أظن أن هناك ما يمنع وصول المصريين والسوريين إلي توافق حول معظم هذه القضايا إذا ما ادركت دمشق أن قضية المصالحة الفلسطينية ليست بالنسبة لمصر قضية دور يعمل البعض علي تقزيمهrlm;,rlm; ولكنها بحكم الجوار قضية أمن وطني تستطيع سوريا أن تتفهم ضروراتها في ضوء علاقاتها مع لبنانrlm;,rlm; وفي جميع الأحوال ينبغي أن تدرك دمشق أن المصالحة الفلسطينية سوف تتم غدا أو بعد غد في القاهرة وليس في أي مكان آخرrlm;,rlm; وربما يكون من حق دمشق أن تلعب دور الشاهد أو الضامن من المصالحة الفلسطينية لكي يظل جزءا من مسئولية دمشق تصحيح بوصلة مسارها السياسي لتوازن بين علاقاتها مع إيران ومصالح العرب الأمنيةrlm;,rlm; خاصة أن العلاقات بين طهران والغرب تدخل مرحلة تصعيد متواصل يمكن أن تصل إلي حدود الصدام المسلحrlm;,rlm; يحسن بكل الأطراف وأولهم سوريا العمل علي تجنبها لأن الشرق الأوسط والخليج لا يحتملان جحيم حرب ثالثة سوف تقع أحداثها ووقائعها فوق الأرض العربيةrlm;,rlm; وسوف يدفع العرب والإيرانيون ثمنها بأكثر من أية أطراف أخريrlm;.rlm;
وأظن أن ثمة جديدا يمكن أن يطرأ علي الموقف يلزم القاهرة ودمشق أن يجلسا معا بحثا عن بديل واقعي تستطيع الأطراف العربية تحمل تبعاته ومسئوليته دون شطط لا يعترف بحدود القدرة العربيةrlm;,rlm; إذا وصلت عملية السلام إلي الحائط المسدود وفشلت خطة إقامة الدولة الفلسطينية بسبب ضعف الإدارة الأمريكية وعجزها عن مواجهة صلف حكومة نيتانياهوrlm;.rlm;
ولأن الأمل جد ضعيف بعد استفزازات إسرائيل الأخيرة وتصميمها علي استمرار عملية توسيع المستوطنات في الضفة وحول القدس الشرقية في أن يتمكن الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي من انجاز أي شيء حقيقي خلال مهلة الأشهر الأربعة التي حددتها لجنة المتابعة العربية امدا زمنيا محددا لمحادثات عن قرب تجري بين الجانبين حول قضايا الحل النهائيrlm;,rlm; يحسن بكل الأطراف العربيةrlm;,rlm; المعتدلة والممانعةrlm;,rlm; أن تجلس معا لحوار هادئ حول أفضل الخيارات المتاحة إذا وصلت عملية التسوية إلي الحائط المسدودrlm;,rlm; وهل يكون الحل الصحيح في الذهاب إلي مجلس الأمن بطلب ترسيم حدود الدولة الفلسطينية في اطار مرجعيات الشرعية الدوليةrlm;,rlm; أم يتبني العرب بديلا عن حل الدولتين خيار الدولة الديمقراطية الواحدة التي تجمع الفلسطينيين والإسرائيليينrlm;,rlm; ويتمتع فيها الجميع بكل حقوق المواطنة بما في ذلك حق الترشيح والانتخاب تحت شعار صوت واحد لكل مواطن كما حدث في جنوب افريقياrlm;,rlm; أم يكون الحل البديل تجميد المباحثات علي المسار الفلسطيني واستئناف التفاوض علي المسار السوري تفاديا لتعقيدات الموقف علي المسار الفلسطينيrlm;,rlm; سواء تم ذلك من خلال الوسيط التركي أم من خلال دور أمريكي يلعب دور الشريك الفاعل كما تريد دمشقrlm;..rlm; لكن الشرط الصحيح الذي يسبق كل هذه الخيارات هو انجاز مصالحة عربية تعيد الوئام بين دمشق والقاهرةrlm;,rlm; وتلزم الفلسطينيين بإنهاء خلافاتهم لصالح وحدة الموقف الفلسطينيrlm;.rlm;
ويخرج عن هذا السياق الصحيح أية محاولة تستهدف فرض موقف أحادي الجانب ينتصر لحماس علي حساب السلطة الوطنية الفلسطينيةrlm;,rlm; أو يسعي لإعادة ترتيب المصالحة الفلسطينية تحت مظلة الجامعة العربية بديلا عن القاهرةrlm;,rlm; أو يصر علي حضور حماس إلي قمة سرت طرفا علي قدم المساواة مع السلطة الوطنية الشرعيةrlm;..rlm; ومن هذا المنطلق ترفض القاهرة أن تنشغل قمة سرت بأمر المصالحة الفلسطينيةrlm;,rlm; وإن كان يمكن أن تقبل دورا سوريا في المصالحة الفلسطينيةrlm;,rlm; يضمن تكافؤ الحقوق بين كل الأطراف الفلسطينيةrlm;.rlm;