صدر مؤخراً تقرير عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يركز على أفضل 10 تقنيات ناشئة لعام 2024. كما صدر تقرير عن مؤسسة غارتنر للاستشارات والأبحاث، قدم رؤى لأهم التقنيات والتكنولوجيا التي سيتم التركيز عليها في 2025.

من أهم النقاط التي وردت في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أنَّ الذكاء الاصطناعي أصبح محركاً رئيسياً للتقدم العلمي، حيث يتم استخدامه لتسريع اكتشاف الأدوية، تطوير البطاريات، وفهم أسرار البروتينات. فعلى سبيل المثال، تقنيات مثل AlphaFold من شركة DeepMind أصبحت أداة أساسية لتحليل البيانات واكتشاف الروابط المخفية التي يصعب على العقل البشري استيعابها. (نظام AlphaFold هو نظام متقدم للذكاء الاصطناعي طورته شركة DeepMind بهدف حل واحدة من أعقد المشكلات العلمية: التنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات بناءً على تسلسلها الجيني).

تتوقع شركة الاستشارات غارتنر في 2025 أن يتم تطوير الذكاء الاصطناعي الوكيل (Agentic AI)، وهي تقنية حديثة تعتمد على برامج ذكية قادرة على اتخاذ قرارات وتنفيذ مهام بشكل مستقل لتحقيق أهداف محددة. تتيح هذه التقنية للمؤسسات تحسين الإنتاجية عبر أتمتة العمليات وتحليل البيانات بسرعة ودقة. يتوقع أن تُنفذ 15 بالمئة من القرارات اليومية في المؤسسات باستخدام هذه التقنية بحلول عام 2028، مما يبرز أهميتها المتزايدة. ستُمكن تطبيقاتها الفرق من إدارة مشاريع معقدة، تحسين تجربة العملاء، وتعزيز التعاون بين الفرق من خلال تقديم رؤى لا يمكن ملاحظتها يدوياً. هذه التقنية خطوة نحو مستقبل أكثر ذكاءً، حيث يُدمج الذكاء الاصطناعي بشكل فعال لتحسين الأداء واتخاذ القرارات بوعي وسرعة.

كما تتوقع غارتنر في 2025 الاستمرار في تطوير الحوسبة المكانية (Spatial Computing)، وهي تجربة غامرة تربط بين العالمين الرقمي والمادي، تُتيح دمج المحتوى الرقمي في الواقع المادي بطريقة غامرة وتفاعلية، مدعومة بتقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (MR) والذكاء الاصطناعي. مع انتشار أجهزة مثل Apple Vision Pro وMeta Quest 3، يُتوقع أن ينمو السوق من 110 مليارات دولار في 2023 إلى 1.7 تريليون دولار بحلول 2033. تشمل التطبيقات تصميم بيئات ثلاثية الأبعاد للتعاون الافتراضي، وإنشاء محاكاة لتدريب الموظفين، واستخدام التوأم الرقمي لمراقبة الأصول المادية وتحسين الأداء. هذه التقنية تُعزز الكفاءة وتفتح آفاقاً جديدة للابتكار عبر القطاعات المختلفة.

كما تتوقع غارتنر في 2025 أن يتم التركيز على تطوير الروبوتات متعددة الوظائف (Polyfunctional Robots)، وهي آلات مرنة قادرة على أداء مهام متعددة في بيئات مثل المستودعات والرعاية الصحية، مما يعزز الكفاءة ويوفر التكاليف. مع توقع أن يتفاعل 80 بالمئة من البشر مع الروبوتات الذكية يومياً بحلول عام 2030، تقدم هذه التقنية حلولاً مبتكرة لتحسين الإنتاجية في مختلف الصناعات.

ذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أنَّ العالم عمل بجهد في 2024 على تعزيز الخصوصية وأمن المعلومات وتزايد أهميتها. حسب مؤسسة غارتنر، الحاجة إلى حوكمة فعالة لضمان توافق الذكاء الاصطناعي مع القيم الإنسانية ستستمر في 2025. المؤسَّسات التي تعتمد منصات حوكمة الذكاء الاصطناعي ستتفوق على منافسيها بنسبة 30 بالمئة في ثقة العملاء و25 بالمئة في الامتثال للقوانين بحلول عام 2028.

مثال على ذلك هو استخدام البنوك لهذه المنصات لضمان اتخاذ أنظمة الذكاء الاصطناعي لقرارات عادلة وأخلاقية، مثل اكتشاف الاحتيال ومنح القروض، مع حماية البيانات والالتزام باللوائح. هذه الجهود تجعل الذكاء الاصطناعي أكثر أماناً وموثوقية.

إقرأ أيضاً: التجربة الرواندية: رؤية للتعافي والنهضة السورية

لقد بدأ السباق باتجاه الحوسبة الكمية، وسيستمر السباق في 2025 بشكل محموم. ستُحدث الحوسبة الكمية تحولًا كبيرًا في العقد القادم، ويتوقع خبراء غارتنر أن تصبح معظم تقنيات التشفير غير المتناظرة التقليدية غير آمنة بحلول عام 2029. فالمجرمون الإلكترونيون يستعدون لهذا التحول باستخدام استراتيجيات مثل "اجمع الآن، فك لاحقًا"، حيث يتم سرقة البيانات المشفرة حاليًا على أمل فك تشفيرها باستخدام تقنيات كمّية في المستقبل. وتشمل تطبيقات التشفير ما بعد الكمي Post-Quantum Cryptography أو PQC ضمان أمان البيانات المالية الحساسة وحقوق الملكية الفكرية ضد الهجمات الإلكترونية المستقبلية. على سبيل المثال، عند إرسال رسائل بريد إلكتروني تحتوي على معلومات مالية أو بيانات عملاء، يمكن استخدام خوارزميات PQC لتشفيرها، مما يجعلها غير قابلة للفك حتى مع تطور الحوسبة الكمية.

هذه التقنية تعد ضرورية لتأمين الأنظمة في المستقبل، حيث تضمن حماية البيانات الحساسة في مواجهة التطورات التكنولوجية المتسارعة، وتحمي المؤسسات من التهديدات الإلكترونية المستقبلية.

وتتوقع غارتنر في 2025 أن يتم تطوير الحوسبة الهجينة (Hybrid Computing) التي تدمج تقنيات متعددة مثل الأنظمة الكمية، العصبية، الضوئية، ووحدات المعالجة لتقديم حلول فعالة للمشكلات الحوسبية المعقدة. تتيح هذه البيئة للشركات تشغيل التطبيقات الحساسة محليًا لضمان الأمان، مع استخدام السحابة للمهام المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. وتوفر الحوسبة الهجينة توسعًا مرنًا بتكاليف منخفضة، مع الالتزام بقوانين الخصوصية والامتثال. هذا النهج يعزز الابتكار والكفاءة، مما يجعلها أداة أساسية للمستقبل الرقمي.

إقرأ أيضاً: طريق النهضة من الهان الكوري إلى بردى السوري

كما ذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن تقنيات الواقع الافتراضي المعززة بالذكاء الاصطناعي تعد بتحويل قطاع البناء من خلال دمج العوالم الرقمية والمادية لتحسين الدقة والسلامة وتعزيز الاستدامة. يُعد البناء أحد أكبر الصناعات عالميًا، حيث يساهم بنسبة 40 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكنه كان بطيئًا في تبني الثورة الرقمية. تتيح تقنيات مثل النماذج الافتراضية والتوأم الرقمي محاكاة سيناريوهات البناء قبل التنفيذ، مما يقلل الأخطاء والهدر ويعزز الكفاءة. كما يساهم الميتافيرس في معالجة نقص المهارات والعمالة من خلال توفير بيئات تدريب غامرة للعاملين في الهندسة والعمارة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتقنيات الافتراضية أن تقلل الوقت اللازم للتفتيش والصيانة، مما يزيد من كفاءة العمليات. مع تطور أدوات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، قد يصبح تصميم المباني ثلاثي الأبعاد أكثر سرعة ودقة، مما يدفع القطاع نحو مستقبل أكثر استدامة وابتكارًا.

وتتوقع غارتنر أن يصبح تقليل البصمة الكربونية أولوية كبرى لمعظم أقسام تقنية المعلومات في 2025، مما سيجعل الحوسبة الموفرة للطاقة حجر الأساس لتحقيق الاستدامة الرقمية بتقليل تكاليف مراكز البيانات بخفض استهلاك الطاقة لأنظمة الخوادم والتبريد وإدارة الطاقة الذكية في المباني.

إنَّ المستقبل مشرق بفضل التكنولوجيا مع الحاجة الماسة للتعاون الدولي لضمان الاستخدام الآمن والمستدام لهذه الابتكارات.