سعد محيو

في العام ،1848 تحدث كارل ماركس عن شبح اسمه الشيوعية يحوم فوق أوروبا فيثير قلقها، ويؤرق نومها، ويدبّ الرعب في ركابها .

حسناً . الشبح الشيوعي تبخّر، لكن الأرق والقلق ما زالا يخيمان .

السبب؟ إنه شبح جديد اسمه القنبلة الديموغرافية الجديدة (السكانية) التي ستصيب شظاياها، أول ما تصيب، الغرب، على الرغم من أن الانفجار لن يحدث داخل منزله بل في بيت الجيران، وعلى الرغم أيضاً من أن عدد سكان العالم سيميل إلى التناقص .

فقد توقع آخر تقرير لدائرة السكان في الأمم المتحدة أن يتوقف النمو السكاني العالمي في العام ،2050 فيستقر على نحو تسعة مليارات نسمة (العدد الآن سبعة مليارات) . وما لم تحدث كارثة طبيعية كبرى أو أزمة اقتصادية عالمية من طراز كساد ،1929 فيتوقع أن يزداد النمو الاقتصادي العالمي بما يتراوح بين 2 و3 في المائة، ما يعني أن الدخل العالمي سيزداد أكثر من السكان خلال العقود الأربعة المقبلة .

بيد أن الأخبار السعيدة للناس والبيئة وكوكب الأرض، ليست كذلك بالنسبة إلى الدول الغربية، إذ يشير تقرير أخير للأمم المتحدة إلى أن المنحى الديموغرافي الحالي سيؤدي إلى أربعة تحولات كبرى في تركيبة سكان العالم:

1- الانحدار الديموغرافي النسبي لبلدان العالم المتطور التي سيتقلص عدد سكانها بنحو 25 في المائة، ما سيحوّل القوة الاقتصادية إلى الأمم النامية .

2- القوة العاملة في الدول المتطورة ستشيخ وتنحدر بشكل مطرد، الأمر الذي سيرفع الطلب على العمال المهاجرين . 3- معظم الزيادة السكانية العالمية ستتركز أساساً في الدول الإسلامية الفقيرة ذات التركيبة السكانية الفتية، والتي تفتقد التعليم النوعي والرساميل وفرص العمالة .4- وأخيراً، سيصبح معظم سكان العالم، وللمرة الأولى في التاريخ، من سكان المدن، وستتركز الكثافة السكانية المدينية في أفقر دول العالم حيث نادراً ما يتوافر الأمن والرعاية الصحية وأنظمة النظافة .

لغة الأرقام توضّح معنى هذه التحولات السكانية- الاقتصادية . ففي القرن الثامن عشر، كان 20 في المائة من سكان العالم يعيشون في أوروبا . ومع الثورة الصناعية، انفجر عدد سكان هذه القارة وتدفق عشرات الملايين منهم إلى أمريكا في أضخم ظاهرة هجرة في التاريخ . وعشية الحرب العالمية الأولى، تضاعف سكان أوروبا أربع مرات ففاقوا عدد سكان الصين وباتوا يشكلون 33 في المائة من سكان العالم .

لكن في العام ،2003 لم تتجاوز نسبة سكان أوروبا والولايات المتحدة وكندا مجتمعة ال17 في المائة من مجموع سكان العالم (أي أقل ما كانوا عليه العام 1700)، وقد يصلون العام 2050 إلى 12 في المائة .

هذه المعطيات الديموغرافية تتساوق مع الأرقام الاقتصادية . ففي بداية القرن التاسع عشر، كانت الدول الغربية مسؤولة عن 32 في المائة من الانتاج العالمي، ثم ارتفعت هذه النسبة العام 1950 إلى 68 في المائة، لكنها في العام 2003 هبطت إلى 47 في المائة وستواصل الانحدار لتصل إلى أقل من 30 في المائة .( أي أقل مما كانت عليه العام 1820) . وهذا يعني أنه من الآن وحتى العام ،2050 سيكون 80 في المائة من الإنتاج العالمي خارج أوروبا والولايات المتحدة وكندا .

كيف يمكن أن تنعكس تأثيرات هذا الشبح الديموغرافي على بنية النظام العالمي؟