علي إبراهيم


تتجسد مأساة الفقر والجهل بشكل قبيح في القضية المؤلمة للطفلة اليمنية إلهام، 13 عاما، التي توفيت بعد 3 أيام من تزويجها شخصا يكبرها بسنوات، تعامل معها بعنف وخطف منها براءة فترة الطفولة الحيوية لبناء شخصية أي إنسان بما فيها من لهو ودراسة وتعليم.

مأساة إلهام تصدم ما اتفقت عليه الإنسانية شرقا وغربا بغض النظر عن الاختلاف في الأديان والثقافات، فيما يتعلق بحقوق الطفل في الرعاية والتعليم والغذاء، وحمايته من العنف حتى يصل إلى السن التي يستطيع فيها فكريا وجسديا أن يستقل بنفسه ويخوض غمار معركة الحياة، وهي عادة السن التي يكون فيها قد اجتاز فترة المراهقة.

ومعظم دول العالم على اختلاف مشاربها تقر سنا معينة لا يسمح قبلها بالزواج، وهي عادة بين 16 و18 عاما، وذلك لحماية الأطفال والمراهقين من شطط بعض العائلات أو المفاهيم الخاطئة في بعض المجتمعات والتي تمس في معظم الأحيان الإناث بدرجة أكبر من الذكور.

واليمن ليس استثناء في ذلك، فهناك قانون للأحوال الشخصية يحدد سن الزواج بـ 17 عاما، لكن، ومثل الكثير من المجتمعات النامية التي تعاني من نسب فقر عالية وأمية وجهل ومفاهيم خاطئة، فإن هناك فارقا بين وجود التشريع وتطبيقه، لأن أي قانون في النهاية يحتاج إلى تعاون المجتمع معه لتطبيقه، وأي حكومة أو أجهزة تنفيذية لا تستطيع الدخول إلى كل بيت من أجل ضمان تنفيذ القانون، خاصة إذا كانت هناك ثقافة مضادة له، ولذلك فإن الظاهرة موجودة في المناطق الفقيرة في العديد من دول العالم.

فقضية الطفلة إلهام التي انتهت بشكل مأساوي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذا كنا واقعيين، لزواج القاصرات في اليمن، فهناك قضية الطفلة نجود، 10 أعوام، التي حصلت على تقدير وجوائز عالمية بعد أن نجحت في الذهاب إلى القضاء لتطليقها، وكذلك الطفلة أروى وهي في نفس العمر تقريبا، والإحصاءات اليمنية تدل على أن هناك نسبا مرتفعة لزواج القاصرات، خاصة في المناطق الريفية الفقيرة لأسباب على رأسها العامل الاقتصادي.

ولن تختفي المشكلة في يوم وليلة بتشريع أو إجراءات تنفيذية، فهناك الكثير من أساليب التحايل على قوانين الأحوال الشخصية، ما دامت العائلات موافقة، فوجود القانون مهم لتطبيقه على الحالات التي يتم ضبطها، لكن المهم أيضا هو التوعية الثقافية والدينية ضد تزويج القاصرات.

والغريب في حالة اليمن، وهو موجود في دول عربية أخرى، هو موقف بعض التيارات المتشددة التي تضع غطاء الدين على حركتها السياسية، وتعارض تحديد سن الزواج، أو بعبارة أخرى صريحة تزويج الأطفال، وهذا التيار المتشدد هو الذي أخرج مظاهرات أمام البرلمان اليمني ضد الحد الأدنى لسن الزواج، معتبرا أن ذلك مخالف للشريعة، وطالب بفتح مراجعة لقانون الأحوال الشخصية من جديد لإزالة هذا البند.

والمرجح أن هذا التيار سيصمت لفترة بعد مأساة الفتاة إلهام، ثم سيعود ليطل من جديد برأسه محاولا تقديم أجندته، مستخدما حجج ترويج المفاهيم الغربية والإمبريالية والشيطنة، إلى آخر قاموس المفردات التي يجيدها ضد تحديد سن الزواج.

والسؤال الذي يجب أن يقدم إلى رموز وقيادات هذا التيار، وهم عادة أثرياء، هل تقبلون ذلك على بناتكم؟ أم أن المسألة هي أن ترويج الفقر والجهل يخدم أجندتكم؟