عبد الرحمن الراشد
الاستنجاد المتكرر بالسلطات الرسمية في المملكة العربية السعودية لإنهاء الحظر على المرأة لقيادة السيارة، أسلوب ثبت فشله. ولن تجلس المرأة خلف المقود قريبا رغم انتشار شائعات هاتفية ورسائل إلكترونية تبشر بذلك بين دعاة فتح باب السيارة للنساء في بلد الرجال.
فشلت كل الحملات لتصحيح الوضع، والسبب في نظري يعود إلى خطأ اختصار المسألة في تغيير موقف الحكومة. في رأيي، لا يمكن إقناع أي حكومة، مهما كان نفوذها، من دون أن يوجد هناك قبول شعبي واسع جدا للفكرة. فالرافضون بنوا نشاطهم ليس فقط من خلال التمترس الرسمي بل أيضا عبر التبليغ الديني والاجتماعي. وقد يكون صعبا على الآخرين، أعني خارج السعودية، أن يستوعبوا أنه يوجد رفض واسع بين الرجال والنساء لقيادة المرأة للسيارة، كونها أمرا طبيعيا، فالمرأة تقود الحمار والحصان والجمل. الشائع في الخارج أنه منع حكومي ضد رغبة الجميع. وهذا حتى الآن ليس صحيحا، رغم عدم وجود استطلاعات توضح أين يقف الرأي العام المحلي.
انصب التركيز مؤخرا على إقناع الحكومة بإنهاء الحظر، ومسايرة دول العالم، وهذه مراهنة غير ذكية، حيث إن ديدن الحكومات في العالم كله تفادي المغامرات، والامتناع عن السير في الطريق المعاكس. وحتى الذين يستندون إلى قصة كيف أن امرأة سوداء في ولاية ألاباما الأميركية غيرت التاريخ والقانون عندما رفضت التخلي عن مقعدها لصالح أحد الركاب البيض، حيث كان نظام المدينة تلك يفرض التمييز العنصري بالتفريق بين الركاب بناء على أعراقهم، فإنهم لا يتنبهون إلى أن التغيير لم يحدث بسبب حادثة واحدة، فالمرأة قبض عليها لكن المقاعد ظلت مفصولة إلى فترة ليست بالقصيرة. الجانب المهم كان حشد الرأي العام ضده.
في السعودية، المشكلة معقدة أكثر من السود والبيض في أميركا؟ والخطأ ربما يكمن في أن التأخر في إصدار القرار بشمول حق المرأة قبل أربعين عاما، عندما لم يكن المنع قضية ولا مطلبا، جعله عرفا ثم قرارا.
رغم هذا، اليوم بالفعل يوجد عدد ليس بالقليل من رجال الدين الذين يؤيدون هذا الحق للمرأة، وهناك شريحة من العامة تتزايد كل يوم تؤيد الفكرة. لكن بقيت نسبة كبيرة، قلقة وخائفة ومتشككة رافضة للتغيير. وتحول موضوع منع قيادة المرأة للسيارة إلى رمز لهم، وجلست الحكومة في منتصف الطريق لا تريد أن تفرضه من فوق.
ويمكن فرضه من فوق بألم أقل لو كان هناك تأييد شعبي كاف. فهل هناك تأييد شعبي كبير للمرأة أن تقود السيارة؟ فعلا لا ندري. الانطباع العام يقول لا، وربما نكون على خطأ. وعندما نقول laquo;تأييد شعبيraquo; لا نعني به المفهوم الديمقراطي، أي الأغلبية البسيطة، النصف زائد واحد، بل المطلوب غالبية ساحقة.
لماذا الحصول على أغلبية ساحقة مهم؟ بل متى كانت القرارات تتخذ بناء على قياس الرأي العام؟ الأغلبية الساحقة مفيدة حتى يصبح الأمر حقيقة بقليل من الدفع الرسمي له. أما الأغلبية البسيطة فتعني الانقسام المكروه سياسيا واجتماعيا. وجس النبض العام هو الطريق الأهون نحو القرار. فكثير من الممنوعات الاجتماعية والرسمية صارت أمرا واقعا بفضل شعبيتها، وأبرزها امتلاك صحون الاستقبال الفضائي الذي رغم حظره صار مفروضا بالأمر الواقع، وبقيت الصحون على أسطح المنازل، والأمر تكرر مع الهواتف الجوالة المزودة بالكاميرات رغم منعها على أبواب المطارات، ففرضتها الرغبة الشعبية.
أنا واثق من أن إقناع الرأي العام في المملكة أهون من دفع الحكومة باتجاه قرار يسمح للمرأة بقيادة السيارة. نفسها المسوغات ضد المنع هي التي يفترض أن تبرر السماح، الحظر زاد من الفظائع والفضائح والخسائر.
التعليقات