إياد الدليمي

سنوات طويلة، وطهران تدعم الميليشيات والجماعات المسلحة بمختلف أنواعها، ولم تتحرك بغداد، سنوات وطهران تغرق السوق العراقية بمختلف أنواع المخدرات وبغداد لم تتحرك، سنوات وطهران تتدخل في تسيير ومد أحزاب وبغداد لم تتحرك، سنوات وإيران تقطع روافد الأنهار عن العراق وبغداد لم تتحرك، سنوات وإيران تقايض بورقة العراق في مفاوضاتها من أجل ملفها النووي وبغداد صامتة دون أن تتحرك، والآن، إيران تقصف قرى العراق الشمالية وتتوغل عدة كيلومترات داخل العمق العراقي، وبغداد لم تتحرك، فمتى إذن؟
نعلم جيدا أن هناك قوى داخل السلطة العراقية لها علاقات واسعة وكبيرة مع إيران، وندرك أيضا أن هناك أحزاباً وقوى سياسية خارج السلطة والحكومة لها علاقات متشعبة مع إيران، ولكن الذي نعلمه أيضاً أن من يتحمل المسؤولية ويتصدر القرار السياسي يجب أن يكون ولاؤه للوطن أولا، فمتى يدرك ساسة العراق ذلك؟
لقد لعبت إيران طيلة سنوات عدة دورا سلبيا في الملف العراقي، وجعلت من الواقع الذي عاشه العراق عقب الاحتلال، وسيلتها للوصول إلى ما تطمح له سواء في جانب التغلغل بالعراق والمنطقة العربية، أو ملفها النووي المثير للجدل، مستغلة وجود قوى سياسية تتربع السلطة في بغداد، غير قادرة لأسباب شتى من أن تقول لإيران كفى، وهو ما تدركه إيران جيدا الأمر الذي يدفعها لمحاولة منع وصول أية قوى سياسية أخرى يكون بمقدورها أن تحجم الدور الإيراني في العراق.
ولا نريد هنا أن نعدد laquo;المنجزاتraquo; الإيرانية في العراق المحتل، فهي ظاهرة بادية، لا تخطئها إلا عين لا تبصر وعقل لا يعي حقيقة الأشياء، ولا نريد هنا أن نلوم إيران، فهي تعمل وفقا لأجندتها ومصالحها، ولكن نوجه الكلام لمن يجلسون على كرسي بغداد، متى سوف تتحركون؟
إن ما يُحزن حقا، أن هناك -اليوم- معاناة حقيقية متجسدة في الأوضاع التي يعيشها آلاف الأكراد العراقيين على طول الحدود مع إيران، هؤلاء الذين تتعرض قراهم لقصف إيراني يومي استمر لعدة أيام، مما أدى إلى تهجيرهم من قراهم، مذكرا إياهم بأيام الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، يوم أن كانت تلك المناطق شريطا حدوديا ملتهبا، ولكن شتان ما بين الأمس واليوم.
بالأمس كانت هناك قوات عراقية ترد القصف بقصف مضاد، وتمنع أي تغلغل ولو لأمتار، أما اليوم فلا قوات عراقية ولا ساسة عراقيون يتصببون عرقا وهم يسمعون تلك الأخبار التي تتحدث عن قصف وتوغل إيراني في شمال العراق.
ولا أعرف لماذا لا تستثمر هذه القوى السياسية في بغداد laquo;علاقتها الطيبةraquo; مع إيران -كما تدعي- في وقف هذا التغلغل الدامي لإيران؟
أم أن هذه العلاقة -كما يراها البعض- هي علاقة التابع بالمتبوع، وبالتالي فلا حق لهم في الاعتراض أو حتى laquo;التفاهمraquo; لوقف هذا التدخل الصارخ.
يقول الأهالي الفارون من أعالي حدود العراق الشمالية مع إيران: إن ما يواجهونه من موت يومي جراء القصف الإيراني لا يمكن السكوت عليه، مؤكدين أن الحجج الإيرانية بوجود عناصر كردية منشقة على إيران في تلك المناطق أمر مبالغ فيه، وأن إيران تستغله لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما أكده المسؤول العراقي الكردي كاوه محمود أيضا، فلماذا لم تتحرك بغداد؟
تعرفون من هي الجهة التي نددت ودعت إلى التعامل العاجل مع هذا الخرق الإيراني غير المبرر لحدود العراق؟ إنها هيئة علماء المسلمين التي تعدها حكومة بغداد، منظمة أو هيئة خارجة عن القانون، وتتهمها بتأجيج الصراعات في داخل العراق ودعم القاعدة وغيرها من الاتهامات التي لا تنفك حكومة بغداد من توجيهها للهيئة.
ربما أن بعض ساسة العراق ينتظرون بيانا إيرانيا لإدانة أعمال إيران وخروقاتها في شمال العراق، ربما.