بيروت - محمد حسن حجازي

بعد أيام فقط على افتتاح مهرجاني بعلبك (24 يونيو المنصرم) وبيت الدين (25 منه) انطلق آخران في اليوم نفسه الاول من يوليو، صور (مع الفرقة الروسية Flying Tzars مع 46 راقصاً وراقصة) وبيبلوس مع التكريم والتقدير الذي خص به الفنان الكبير وديع الصافي في ليلة حضرها حتى آخر نغمة فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان (ابن المنطقة) والسيدة حرمه وفاء، وحشد رسمي اعلامي جماهيري واسع جاء يشارك في مظاهرة تكريمية راقية لعلامة بارزة من علامات الفن اللبناني على مدى ثلثي قرن، او ثلاثة ارباع قرن من الامتاع الغنائي، ومشاركة فاعلة من نجمين غنّياه بشكل رائع لأنهما من مدرسته الفنية: نجوى كرم ووائل كفوري.
ليلة الخميس في الاول من يوليو الجاري كانت عيداً فنياً وطنياً جامعاً في جبيل التي عرفت فخامتين: فخامة رئيس البلاد العماد ميشال سليمان، وفخامة سيد المطربين دون منازع وديع الصافي في مكان واحد وليلة واحدة.
ايلي العليا المايسترو الاكثر حضوراً في معظم المناسبات اصطحب الفنان الصافي بخطاه البطيئة المتثاقلة، وأوصله بداية الحفل الى الميكروفون عند مقدمة المسرح ليخاطب الحاضرين: laquo;يا قلبي يا اهلي، فخامة الرئيس، كل واحد منكم اهلاً. انا ما بعرف احكي انا بعرف اغنيraquo;. وغنّى فعلاً، الصوت ما عاد قادراً على المدات، على اللعب، واعطاء كل اغنية ما تحتاجه من هنكٍ، وتلوين في الحنجرة، لكنه وهو العجوز سناً، كان شاباً في مواجهته لهذا الموقف، وهو نجم المسارح ما بين بعلبك وأهم مسارح الدنيا خصوصاً المغتربات، فغنى بصوته الحالي الذي فقد جانباً من قوته واحتفظ بالكثير من روح الصوت.
ومرة واحدة انكشفت لعبة التقنية عندما عنّى ديو مع نجوى كرم laquo;وكبرنا يا بييraquo;، هنا كان الصوت مسجلاً، اضافة الى شباب صوته فان ما يؤمنه الاستوديو من تنظيف لمادة الصوت بحيث تبدو نموذجية، كل هذا بدا حتى قبل ان تقترب كاميرا الصالة الرحبة من وجه الصافي وهو يغني والصورة تظهر على شاشة يمين المسرح فاذا به صامت تماماً وصوته يملأ المكان.
غنّى وكان جميلاً، غنّى وكان رائعاً، فيكفي قبوله الوقوف على خشبة، والغناء عبر ميكروفون بشكل حي وهو يدرك مدى حساسية مثل هذا الموقف على صورته، لكنه كان يدرك تماماً ان الناس تعي ان سنه متقدمة، وان ما يفعله انما هو رد تحية للناس التي حضرت وأرادت المشاركة في التكريم هذا.
تأخير الساعة والربع لافتتاح الحفل عَبَرْ، وكذلك مسألة البلاي باك، وجاء التقدير الآخر الميداني من خلال النجمين نجوى كرم ووائل كفوري. فالفنانة المتمكنة من صوتها، موهبتها، والواثقة من جمهورها قدمت عدداً من اغنياتها منها: بالروح بالدم، وموال وطني عن الديانتين الاسلام والمسيحية، خليني شوفك بالليل، ايدك ايدك، قبل ان تغني عدة اغنيات لـ وديع، وكانت اكثر من رائعة في laquo;يا ابنيraquo;، غنّتها من اعماق قلبها وتلاعبت بطبقات صوتها حتى لاءمت ما يستطيعه وديع، وكان حصل خطأ معها حين استدعيت الى الخشبة ولم تكد تصل حتى بث فصل اضافي من مسيرة الصافي المسجلة والمصورة فوقفت عدة دقائق في عتمة مقدمة المسرح حتى انتهى عرض هذه السيرة - التقرير.
وائل كفوري ابداع فعلياً في غناء وديع الصافي. خطير صوته، قادر جداً، ونستغرب كيف يكون عنده طاقة طربيه مرعبة ومع ذلك يغني الرومانسية فقط (حبنا غلطة) فبدأ مع: العصفور، ثم قتلوني عيونا السود، وكان لافتاً ان صوته الرجولي والعميق والقادر خدمه كثيراً في ايجاد سر صوت وديع وفي اقوى اغنياته، مؤدياً بشكل مريح، وسعيد.
ما من شك بأن حضور نجوى كرم ووائل اضاف الكثير الى المناسبة خصوصاً وانهما من مدرسة وديع، وفي مثل قامته الفنية على الاقل في عصرهما، وكان تكريم الرئيس العماد سليمان مضاعفاً اولاً للمهرجان كونه في منطقته، وثانياً لأن قيمة فنية مثل وديع تستحق ان تعطى مثل هذه المبادرة من الرئاسة.
laquo;سيجنا لبنان وعلينا سياجوraquo; كانت اغنية الختام بين المحتفى به ونجما اليوم بحيث تستطيع مهرجانات بيبلوس ان تفخر ببرمجتها بدءاً من هذا الافتتاح الرائع.