سمير عطا الله

أعطت جنوب أفريقيا قارتها درسا آخر: القدرة على استضافة حدث عالمي، من كل الألوان، من دون كدر واحد. 18 ألف صحافي، جاءوا وذهبوا، دون أن يبرقوا لنا عن أي خسارة سوى خسائر البرازيل وألمانيا والأرجنتين وأخيرا اللون البرتقالي الفاقع في بلاد لا ينبت فيها البرتقال ولا تراه إلا في السحاحير والسلال. الفوز، كان لدولة أفريقية، انتقلت بسلم وهدوء، من سلطة بيضاء عنصرية مستبدة وقاهرة، إلى سلطة مشتركة تحترم فيها الأقلية البيضاء التي لا تصل إلى 10% من السكان. وخلال 16 عاما من الانتقال، تناوب على الرئاسة 3 رؤساء جمهورية، في قارة اعتادت على أن يأتي الرؤساء بالموت أو القتل وأن يذهبوا بالقتل أو الموت.

والطريق طويل طويل أمام بلاد مانديلا. فقر وتخلف وجريمة وفساد ومرض. لكنها اتخذت طريق القانون. الديمقراطية ليست حلا سحريا لكنها أساس لدولة القانون. وحيث هناك قانون، يمكن للقضاء أن يحكم بالسجن على الصحافي والمحامي الكويتي محمد عبد القادر الجاسم، ثم يمكن لمحكمة التمييز أن تفرج عنه. وقد تعودت، منذ البدايات، أن أسجل اعتراضا على اعتقال أي صحافي أو صاحب رأي. وبقيت صامتا - بأسف - لدى اعتقال الأستاذ الجاسم، لسبب عميق جدا في نفسي، وهو أن الأستاذ الجاسم، كتب عندما كان رئيسا لتحرير laquo;الوطنraquo;، وجزءا من الموالاة، سلسلة مقالات عنيفة يهاجم فيها المدعي العام الكويتي، بسبب النظر في قضية فساد شهيرة.

ليس من عادتي التشفي ولا من طبعي الشماتة وحقاراتها. ولكن لم أستطع أن أتجاهل أن القانون الذي عنفه الأستاذ الجاسم بتعال شديد وقسوة لا ضرورة لها، هو القانون نفسه الذي حقق الإفراج عنه. واقفا بذلك إلى جانب مواطن غاضب، وربما متجن، في إزاء أعلى مراتب السلطة.

كان الأحرى بالأستاذ الجاسم، وهو رجل قانون إلى جانب كونه صحافيا بارزا في الكويت، أن يعرف ما هي مسموحات القوانين وما هي محاذيرها وضوابطها. ولا أقصد فيما يتعلق بالمعارضة. بل أعني بمهاجمة القضاء والادعاء العام والقوانين التي تقضي بالنظر في الدعاوى المقدمة من الناس، مهما كانت طبقاتهم ودرجاتهم. وإذ نهنئ الأستاذ الجاسم بنعمة الحرية، لا بد من تحية إلى حكم القانون في الكويت. فقد سجل سابقة لم يعد من الممكن بعدها تعنيف المدعي العام وتهديده، إذا ما أراد النظر في شكوى أو قضية لا تعجبنا.