مأمون فندي

رمزية زيارة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد إلى لبنان، مفادها أن لبنان بلد عربي لا هو إيراني فارسي ولا أميركي ولا فرنسي، لبنان عربي فقط، أيا كانت القوى التي تريد أن تبيع لبنان للغرب أو لإيران، ونقطة على السطر.. اللبنانيون يريدون لبنان عربيا، ونحن في العالم العربي نريده عربيا أيضا، فعلى الرغم من ضعف الدولة اللبنانية فإن التشكيك في عروبة لبنان أمر خطير ومقدمة للتشكيك في عروبة الكثير من الدول العربية. العروبة تستمد قوتها من الأطراف لا من المركز، لأنه إذا ما كانت الأطراف ضعيفة فإنها ستؤدي بطبيعة الحال إلى ترهل المركز. وبغض النظر عن النتائج التي ستترتب على مهمة الملك السعودي والرئيس السوري إلى لبنان، فالرمزية باقية والصور لا تخطئها العين: لبنان شأن عربي، وليرفع الفرس والأميركان والإسرائيليون أيديهم عن لبنان، هذه هي الرسالة التي بعثتها الزيارة المشتركة للزعيمين العربيين إلى لبنان.

صورة الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو ينزل على سلم الطائرة وإلى جواره الرئيس الأسد وفي استقبالهما الرئيس اللبناني ميشال سليمان، توحي بأن توافقا استراتيجيا حول لبنان قد تم بين المملكة العربية السعودية وسورية. نتيجة هذا التوافق الاستراتيجي هي بكل تأكيد في مصلحة لبنان واللبنانيين. وليس غريبا أن يكون لكل من المملكة العربية السعودية وسورية دور في لبنان، فالدولتان عربيتان وترغبان بكل تأكيد في وجود لبنان عربي آمن معافى، ولكن ما يدعو إلى الغرابة أن نسمع من كانوا بالأمس قوميين عربا، ينادون اليوم بضرورة وجود دور إيراني أو أميركي أو فرنسي في لنبان، أي أن يتنافسوا على إدخال دول غير عربية لتصبح لاعبا في لبنان إما بالألاعيب السياسية أو بقوة السلاح.

لبنان، بلا شك، مهم وحساس جدا بالنسبة للأمن القومي السوري، فالمسافة من بيروت إلى دمشق (ولو بسيارة عتيقة) أقل من المسافة بين الإسكندرية والقاهرة، وثلث المسافة بين القاهرة وشرم الشيخ.. إذا ما عرفت ذلك ورأيته رؤية العين، تدرك تماما أن مدفعا عاديا على جبل لبنان أو في بيروت يهدد أمن دمشق المباشر، دع عنك الأسلحة المتطورة من الصواريخ. ومن هنا، يكون من الصعب على أي خبير استراتيجي أن ينكر قلق سورية وحرصها على العمق الأمني الاستراتيجي المتمثل في لبنان، بالطريقة نفسها التي لا تسمح بها مصر، مثلا، بأي خلل في السودان سواء على مستوى الأحزاب أو مستوى رأس الدولة وعلاقته بمصر. السعودية أيضا لها دور أخلاقي في لبنان، فالمملكة كمركز ثقل عربي لن ترضى بأن يكون للتهديد الإيراني في الخليج بعد وعمق استراتيجي يصل إلى بيروت، فليس من المقبول السماح بالتطويق الإيراني لأمن المملكة وأن تمتد خلايا إيران من الكويت إلى البحرين إلى لبنان.

إن في التوافق السعودي - السوري حول لبنان بداية لتوافق عربي أكبر، فلمّ الشمل بين مصر وسورية وارد جدا إذا كان بواسطة الملك عبد الله بن عبد العزيز، فهو الرجل الذي يتمتع بمصداقية عالية عند الرئيس المصري حسني مبارك ويحظى بلا شك بثقة الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى المستوى العالمي فهو يحظى أيضا بتأييد الدول الاقتصادية الكبرى في العالم ممثلا بتوافق قمة العشرين المنعقدة في كندا في الشهر المنصرم.

منذ أسبوعين، كتبت مجلة laquo;الإيكونمستraquo; البريطانية تقريرا عن الملك عبد الله بن عبد العزيز، وعلى الرغم من أنها أشادت بإصلاحاته الداخلية، فإن المجلة التي من المفترض أنها تتمتع بمهنية مقبولة قد وقعت في أخطاء جوهرية في تقريرها، ففضلا عن ذكرها حقائق مغلوطة تماما في ما يخص نظام الحكم في المملكة وكذلك تسلسل العمر بين أبناء الملك عبد العزيز، أخطاء لا يقع فيها مبتدئ دارس لمنظومة الحكم في المملكة، فضلا عن ذلك فقد كان الخطأ الأكبر في الجانب التحليلي من التقرير في ما يخص محدودية حركة الملك عبد الله بن عبد العزيز في الداخل والخارج. فمن ينظر إلى تحركات الملك خلال شهر واحد فقط سيجد أنه قد سافر إلى قمة العشرين في كندا وسافر إلى المغرب أيضا، فضلا عن الرحلة الأخيرة التي تتضمن مصر وسورية ولبنان والأردن، هذه الأميال من السفر في هذه الفترة الزمنية القصيرة لم يقطعها أكثر زعماء العالم شبابا مثل ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا أو باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية. إن حركة الملك عبد الله توحي بأننا أمام ملك مليء بالحيوية والنشاط، يدفعه إلى ذلك إيمانه بالتوافق العربي والعروبة، وهمه في تنمية مكانة المملكة العربية السعودية إقليميا وعالميا.

ربما تثبت الأيام أن دبلوماسية الملك عبد الله في دعم الاستقرار في لبنان هي أكبر من الدورين الأميركي والفرنسي مجتمعين، وأنها حاجز الصد العربي ضد التدخلات غير العربية، سواء أكانت إسرائيلية أم إيرانية أم غيرها. الملك عبد الله دائما ما يتحرك بناء على رؤية عربية لا رؤية مدفوعة برغبات الغرب، فالرجل عروبي حتى النخاع، ولا يضع أمامه سوى مصلحة العرب.

يغفل المتحدثون عن المملكة في الغرب، وأحيانا في الشرق، أن المملكة ليست مكانا فقط، المملكة العربية السعودية هي مكان ومكانة، ومكانتها تأتي من وجود مقدسات المسلمين بها، وأنها أكبر لاعب اقتصادي في الإقليم بما منحها الله من نعمة البترول وجعلها رمانة الميزان في سياسات الدول المصدرة للنفط (أوبك)، كما أن مكانتها أيضا تستقيها من حكمة قيادتها وهدوء سياساتها، لكل هذا قد نرى أن تحرك المملكة في لبنان إلى جوار سورية سوف يخلق حالة استقرار تفاجئ الجميع، بما في ذلك أميركا وإسرائيل وإيران وفرنسا، كما أنها ستفاجئ حلفاء هؤلاء في الداخل ممن يريدون دورا لإيران وإسرائيل ولو بقوة السلاح، أو ممن يريدون دورا بالدبلوماسية الخشنة مثل حلفاء أميركا وفرنسا.

دور الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد في لبنان من أجل دعم عروبة لبنان، سيكلل بالنجاح لو تخلى بعض العرب عن أحقادهم الصغيرة، وتخلى حلفاء غير العرب عن دورهم كمخربين للمبادرات العربية من أجل إرضاء كفيل أو معلم من غير العرب. على العرب أن يقفوا خلف كل المبادرات الداعمة لاستقرار لبنان، وأن يتخلوا عن المراهقات السياسية، ويصلوا لحالة نضج تعترف بحق سورية في أن يكون لها عمق استراتيجي في لبنان، وأن يقبلوا بأن يكون لبنان بلدا عربيا خالصا للعرب وليس لغيرهم.