أسامة عبد الرحمن

يمارس الكيان الصهيوني أبشع الجرائم، منذ اغتصابه الأرض الفلسطينية، وسجله حافل بتلك الجرائم، وشنه الحرب البشعة على غزة، بكل ما لديه من أسلحة، بما فيها الأسلحة المحظورة، مستهدفاً حتى النساء والأطفال، ومرتكباً أفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان، وممارساً كل أنواع القمع والتنكيل والحصار والمجازر والمحارق، هي جريمة تضاف إلى جرائمه، ولعل ما ارتكبه من جرائم في الماضي، كان لا يصل عنها من أخبار إلا القليل، وقد يضاف إليه ما يجري اكتشافه وتدوينه في وقت لاحق ويحفظه التاريخ .

غير أن الفضاء الإعلامي بأدواته التي تنقل الحدث لحظة وقوعه . . وتنشره في الفضاء الإعلامي الواسع، ويصل إلى سكان المعمورة، من أقصاها إلى أقصاها، يفضح الجرائم الصهيونية، وينزع القناع عن الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني الذي يتناقض مع ما دأب على ادعائه ونشره في العالم باعتبار أنه الضحية الذي يبحث عن السلام، والديمقراطي في محيط غير ديمقراطي متكالب عليه .

هذا الفضاء الإعلامي الواسع الذي واكب الحرب البشعة على غزة، وصور تفاصيلها، ما خلفته من مآسٍ وخراب ودمار، كشف للعالم الافتراءات والمزاعم الصهيونية، وكشف بالصورة والصوت فصول حربه البشعة على غزة، وهذا ما خلق استنكاراً شعبياً واسعاً على الساحة العالمية، حتى في الدول التي تساند الكيان الصهيوني، وتدعمه عسكرياً وسياسياً، وتغض الطرف عما يرتكبه من جرائم .

إن التحرك الشعبي على الساحة العالمية لم يحقق تعاطفاً واسعاً مع الفلسطينيين فحسب، ولكن تنديداً واسعاً بالجرائم الصهيونية، وفاق مشهد هذا التحرك الشعبي، أي تصور، ومثل ضربة في الصميم للصورة التي كان يروجها الكيان الصهيوني عن نفسه من خلال إعلام مؤيد له، ومتواطئ معه، فلقد أصبح الفضاء الإعلامي الواسع، غير محكوم بما تمليه مصالح الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحليف الاستراتيجي لهذا الكيان، فلقد خرج عن نطاق سيطرتها، وأصبحت الحقيقة حاضرة فيه، كما أصبح الحدث حاضراً فيه لحظة وقوعه .

هذا الفضاء الإعلامي الواسع بقنواته الفضائية وبأجيال الانترنت المتطورة، يصل إلى الحدث وتداعياته، ولا يمكن للكيان الصهيوني، أن يعتم على جرائمه، أو يمنع اكتشاف الحقيقة، صحيح أنه في حربه على غزة، قيد تحركات الإعلاميين، بل مارس القمع عليهم ليعربد في الأرض الفلسطينية، وينتهك ما شاء، ولكن ذلك لم يحل دون وصول الحقائق عن الجرائم، ورصد الأحداث لحظة وقوعها، أو على الأقل نقل ما اقترفه من جرائم على الأرض الفلسطينية، وصور المنازل المدمرة، والأرض المحروقة، والقتلى من النساء والأطفال والكهول والشباب، وتدمير المرافق الأساسية، والبنية التحتية ودور العبادة، ولم يستثن حتى مرافق الأمم المتحدة، طالما كان كل شيء على الأرض الفلسطينية، مشروعاً للاستباحة .

هذا الدور المشهود للفضاء الإعلامي الواسع، رغم ما يشوب بعضه من شوائب، كان له أثر كبير في إيضاح الصورة الحقيقية للكيان الصهيوني، وإسقاط الصورة التي كان قد وضعها عن نفسه وأثبتت للعالم، قبل تقرير غولدستون وبعده، أن الكيان الصهيوني، مقترف لجرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية، وأنه لا بد من معاقبته، ومن محاكمته على كل ما ارتكبه من جرائم .

ولعل قطاعاً كبيراً من التحرك السياسي على الساحة العالمية، عرف حقيقة الكيان الصهيوني خلال حربه على غزة بفضل الفضاء الإعلامي الواسع، ولكن الجرائم الأخرى التي ارتكبها الكيان الصهيوني منذ اغتصابه الأرض الفلسطينية، والحق الفلسطيني، لم يعرف عنها إلا القليل، وظلت مدونة في وثائق وتقارير، ولم تنقل بالصوت والصورة لحظة وقوعها ولم تصور تداعياتها والمآسي المتعلقة بها في حينه .

ولذلك فإن هذا الحراك الشعبي على الساحة العالمية، ربما تصور أن الكيان الصهيوني يمارس هذه الجرائم البشعة لأول مرة، ولكن ربما فتحت له مشاهد هذه الحرب المدمرة نافذة يحاول منها أن يعرف الجرائم الأخرى التي اقترفها في انتهاك الحقوق الفلسطينية، وارتكاب الجرائم، وقد مارسها من قبل واستمرأ ممارستها، ولم يجد ردعاً ولا عقاباً ولا قانوناً يطاله، ولو طاله ذلك منذ الجريمة الأولى، لما استمر مسلسل الجرائم، حتى الحرب على غزة وبعدها، وسيبقى مسلسل الجرائم مستمراً .