خيرالله خيرالله
أن يقرر الجانب الفلسطيني العودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، بناء على طلب أميركي ملحّ، دليل على رغبة في تأكيد أن القضية الفلسطينية ليست ملكا للمتاجرين بها من دعاة اللا حرب واللا سلم من عرب وغير عرب. هؤلاء لا همّ آخر لهم سوى عرقلة أي مشروع تسوية من أي نوع كان حتى لو كان يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني ويحقق الحد الأدنى من طموحاته السياسية.
لا يختلف عاقلان على أن بنامين نتانياهو، الذي يرئس حكومة إسرائيلية متطرفة لا تريد أي تسوية من أي نوع كان، يريد من الجانب الفلسطيني توقيع صك استسلام. بموجب هذا الصك، يترتب على الجانب الفلسطيني التخلي عن قسم من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وان يكتفي، في أحسن الأحوال، بكيان صغير يكون تابعا بطريقة أو بأخرى لإسرائيل.
كان الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس (أبو مازن) أمام خيارين واضحين. إما رفض الطلب الأميركي العودة إلى المفاوضات المباشرة وإما الاستجابة له. لو رفض الطلب الأميركي لكان كلفه ذلك الكثير. كان كلفه قبل أي شيء آخر استمرار العلاقة مع الإدارة الأميركية. وهذه خسارة كبيرة بكل المقاييس وسقوط في الفخ الإسرائيلي. أما الاستجابة للرغبة الأميركية فقد لا تعني بالضرورة تحقيق مكاسب محددة بمقدار ما تعني أن الوصول إلى تحقيق تقدم ما، مهما كان صغيرا، أمر ممكن. بكلام أوضح، لا خسارة من المفاوضات المباشرة بل أن احتمال الربح وارد حتى لو كان ضعيفا، في حين أن مقاطعة المفاوضات تمثل خسارة أكيدة.
لا شك أن بيبي نتانياهو سجل نقطة مهمة قبل بدء المفوضات وذلك عندما اجبر الجانب الأميركي على تأكيد انه لن تكون هناك شروط مسبقة. وهذا يعني في طبيعة الحال رفضا إسرائيليا لتحديد مرجعية المفاوضات ووقف الاستيطان. في المقابل، سجل الجانب الفلسطيني نقاطا عدة تصب في مصلحته. فقد أكدت اللجنة الرباعية التي تتمثل فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة في البيان الذي أصدرته دعما للمفاوضات إن المرجعية واضحة. جاء في البيان حرفيا إن الهدف من المفاوضات المباشرة quot;حلّ كل القضايا العالقة في شأن الوضع النهائي وتحقيق تسوية بين الأطراف تضع حدّا للاحتلال الذي يرجع إلى العام 1967 تسفر عن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ديموقراطية قابلة للحياة تعيش في سلام إلى جانب إسرائيل وجيرانها الآخرينquot;.
حددت الجنة الرباعية، التي تضم، بين من تضم، الولايات المتحدة مرجعية المفاوضات. أكثر من ذلك، أشادت اللجنة بعملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وأشارت إلى quot;اطر مدريد وقرارات مجلس الأمن ومبادرة السلام العربيةquot; التي صدرت عن قمة بيروت في العام 2002.
في الثاني من أيلول المقبل، ستكون هناك عودة إلى المفاوضات المباشرة. لم تستطع إدارة اوباما ممارسة ما يكفي من الضغط على الحكومة الإسرائيلية للحصول على تعهد بوقف الاستيطان واعتماد حدود العام 1967 مرجعية للمفاوضات. لكن الثابت أن على الجانب الفلسطيني، على رأسه quot;أبو مازنquot; الاكتفاء ببيان اللجنة الرباعية الذي ليس في إمكان الجانب الأميركي التملص منه كليا على الرغم من إن الجانب الإسرائيلي تجاهله تجاهلا تاما.
السؤال الآن هل هناك رغبة إسرائيلية في تحقيق تسوية معقولة ومقبولة. الجواب إن الكثير سيعتمد على ما إذا كانت إدارة اوباما ستكون قادرة على لي ذراع بيبي نتانياهو وإفهامه أن التعاون الأميركي في موضوع إيران ليس واردا في غياب الحد الأدنى من التجاوب الإسرائيلي مع متطلبات السلام. في النهاية إن صيغة التسوية المعقولة والمقبولة موجودة نظرا إلى أن الفلسطينيين والإسرائيليين حلوا أواخر العام 2000 نسبة تسعين من المشاكل العالقة في مفاوضات طابا التي تلت مباشرة فشل قمة كامب ديفيد بين ياسر عرفات، رحمه الله، والرئيس بيل كلينتون وايهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك. تطرقت تلك المفاوضات إلى الحدود النهائية واللاجئين والقدس. وتبين ان في الإمكان التوصل إلى حلول متى توفرت الإرادة السياسية والشجاعة اللازمة.
الأكيد أن بيبي نتانياهو لا يمتلك الإرادة السياسية والشجاعة الكافية اللتين تؤهلانه للإقدام على خطوة في الاتجاه الصحيح. تتمثل خطوة من هذا النوع في التخلي عن الاحتلال، الذي يشكل في نهاية المطاف أسوأ أنواع الإرهاب وهو إرهاب الدولة. لكن وجود زعيمين عربيين في الافتتاح المفاوضات المباشرة، وهما الرئيس حسني مبارك والملك عبدالله الثاني، يمكن أن يساعد في جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي يفكر بطريقة مختلفة. فحضور الزعيمين العربيين إلى واشنطن إشارة إلى أن التسوية مع الفلسطينيين ستفتح أفاقا ذات طابع إقليمي لإسرائيل وان مثل هذه التسوية ستوفر أجواء مختلفة في الشرق الأوسط تساعد في مواجهة التطرف بكل أنواعه.
تبقى المشكلة الأساسية المتمثلة في أن إسرائيل المتطرفة لا تراهن سوى على التطرف في الجانب الآخر. ولذلك يظل رهانها الدائم على رافضي المفاوضات المباشرة من منظمات وأنظمة في دول عربية وغير عربية تقتات من الشعارات الرنانة ومن بقاء الفلسطينيين شعبا محروما من حقوقه المشروعة غير قادر على إقامة الدولة المستقلة التي تؤمن له هوية وطنية ومكانا على الخريطة الجغرافية للشرق الأوسط.
يصعب التفاؤل بنتائج المفاوضات المباشرة على الرغم من تحديد سقف زمني لها هو سنة كاملة. ولكن يصعب أيضا تخيل رفض الجانب الفلسطيني لهذه المفاوضات، خصوصا بعد صدور بيان اللجنة الرباعية. فبغض النظر عن قدرة اللجنة على وضع البيان حيز التنفيذ تظل هناك قيمة قانونية ومعنوية لكل كلمة وردت فيه. يكفي انه يشير أيضا إلى أهمية السلام في المنطقة كلها. وهذا يعني عمليا أن المجتمع الدولي مهتم بالاستقرار في الشرق الأوسط ككل انطلاقا من إيجاد حل في فلسطين. لم يكن لدى الجانب الفلسطيني، إلى إشعار آخر، خيار آخر... في منطقة اختلت فيها موازين القوى أخيرا لمصلحة الأطراف غير العربية على نحو دراماتيكي!
التعليقات