طلعت اسماعيل

اختار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير أن ينشر مذكراته التي حملت عنوان laquo;رحلةraquo; في اليوم الذي اعلنت فيه واشنطن انتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية في العراق، التي لا يزال بلير يكابر في ان غزوه في مارس 2003، كان مبررا لانهاء ما يسميه خطر صدام حسين، رغم افتضاح كذبة أسلحة الدمار الشامل التي اتخذها بلير وحليفه جورج بوش ذريعة لتبرير الحرب.

فلا يزال بلير، النموذج المثالي للانجليزي المراوغ، يقول انه لا يمكنه الندم على قرار دخول الحرب، لكنه يعترف في الوقت ذاته انه لم يكن ليدرك ابدا الكابوس الذي اعقب غزو العراق، الذي حولته القوات الأميركية والبريطانية وباقي عصابة الحرب إلى حطام بلد، انفتحت عليه جحيم العنف الطائفي والمذهبي من كل باب، حتى كادت الأمور ـ ولا تزال ـ تخرج عن السيطرة.

هل يكفي بلير الاعتراف بأنه وشركاءه في جريمة احتلال العراق لم يدركوا حجم الكابوس للعنف الكامن،الذي فجروا عقاله في ارض الرافدين؟ وهل يستفيد العراقيون الذين دفعوا مئات ألوف القتلى والجرحى منهم ثمن حماقة من قاموا بغزو بلادهم، عندما يقول انه لم يتوقع دور تنظيم القاعدة وإيران، في مرحلة ما بعد الغزو وان ذلك يدخل ضمن مسؤوليته؟

المؤكد ان مثل هذه الكلمات لا تساوي شيئا بالنسبة للعراقيين، بعد ان laquo;خربت مالطاraquo; طبقا للمقولة الدارجة، فبلير الذي تضخمت ثروته بعد تركه رئاسة الحكومة البريطانية عام 2007، ينعم الآن بالإقامة في القصور والفيلات الفاخرة داخل بريطانيا وخارجها، فيما يعاني ملايين العراقيين آلام التهجير والتشرد.

وفقد الأب والابن والزوج والأخ، بفعل مغامرته غير محسوبة العواقب مع جورج بوش الذي يصفه في مذكراته بانه كان laquo;رجلا مثالياraquo; أظهر laquo;نزاهة حقيقية، وشجاعة سياسيةraquo;.

ونفى بلير في تلك المذكرات أن يكون دعم الخطط الأميركية لغزو العراق دون بصيرة، عندما زار مزرعة بوش في كروفورد بولاية تكساس، في أبريل عام 2002، ويزعم انه لم يعط أي التزام من هذا القبيل، رغم ان الإعلام البريطاني صوره وقتها على انه الكلب المطيع لسيده، يرافقه اينما حل من دون تفكير في العواقب.

ولان بلير مرهف الحس تجاه بني قومه، فقد أعرب في مذكراته عن أساه الشديد لأقارب الجنود البريطانيين الذين قتلوا في الحرب، وlaquo;للذين سقطوا في ريعان الشباب وللعائلات الثكلى التي ضاعف من إحساسها بفقد أعزائها الجدل الدائر حول السبب الذي من أجله قتل أحباؤها، والظلم الذي وقع عليها بأن قدر لها هي بالذات أن تعاني الخسارةraquo; بنص مقتطفات من الكتاب.

وللتكفير عن ذنبه تجاه ضحايا الحرب من البريطانيين تبرع بلير بريع الكتاب ومقدم الأتعاب التي تقاضاها من دار النشر والذي يقدر بنحو 4 ملايين جنية استرليني لصالح laquo;العصبة الملكية البريطانيةraquo; المعنية برعاية قدامى المحاربين، أما العراقيون الذين سقط منهم أكثر من 100 ألف قتيل حسب التقديرات المتواضعة، فلم يأسف بلير عليهم، ولم يتبرع بسنت واحد لمشرديهم في اركان الأرض الأربع.

بلير الذي أصبح مبعوثا للجنة الرباعية الدولية المعنية بعملية السلام في الشرق الأوسط، مكافأة له على ما يبدو لتدميره بلدا كاملا، لم يكتف بتبرئة نفسه من الغزو، بألاعيب المكر والخداع، وباقي المهارات التي يتمتع بها كسياسي،، بلا راح يكيل الانتقادات لسلفه في رئاسة الوزراء غوردن براون، وحمله مسؤولية خروج حزب العمال من الحكم، رغم ان سياسات بلير قادت، بعد 13 عاما من تقلده السلطة، إلى تمزيق حزبه.

وهوانه على الناخبين الذين ركلوه خارج الحلبة، غير مأسوف على سياسيّه، الذين ورطوا البريطانيين في الحروب والأزمات المالية التي سيدفعون ثمنها على مدى سنوات طوال مقبلة.