سركيس نعوم

يعرف العراقيون والسوريون والايرانيون كما ابناء المنطقة كلها، فضلاً عن الجهات الاقليمية والدولية المعنية، ان اختلافاً حصل او على الاقل تبايناً بين القيادة السياسية السورية العليا والقيادة السياسية ndash; الدينية العليا في الجمهورية الاسلامية الايرانية في الموقف من الانتخابات التشريعية في العراق قبل إجرائها، واستمر او ربما تفاقم بعد النتائج التي اسفرت عنها. فدمشق ايدت منذ البداية quot;القائمة العراقيةquot; بعد قرارها خوض الانتخابات، كما ايدت وصول زعيمها اياد علاوي الى رئاسة الحكومة في حال فوزها.
واسباب هذا التأييد كثيرة ومتنوعة. منها اقترابه من النظام الحاكم في سوريا بسبب عاملين. اولهما، بعثيته السابقة. وثانيهما، علمانيته او بالاحرى ابتعاده عن الطائفية والمذهبية. واقترابه من العربية السعودية. وسوريا، وبعد مبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز الى مصالحتها، تمكنت من تحقيق مكاسب مهمة في لبنان او من استعادة مكاسب مهمة. ولم يكن ذلك ممكناً لو استمرت القطيعة او شبه القطيعة بين الدولتين الشقيقتين. وهي تسعى الى استعادة كل مكاسبها اللبنانية السابقة. كما تسعى الى الافادة من السعودية في العراق تلافياً لتحوّله جرماً يدور في فلك ايران، ورغبة منها في اكتساب نفوذ سياسي دائم فيه، عجزت عن تحقيقه منذ عقود عدة رغم تنوع الانظمة التي تعاقبت على حكمها وتناقضها، وذلك بسبب رفض عربي عام وخليجي خاص، وكذلك بسبب رفض دولي وخصوصاً اميركي وكذلك اسرائيلي. لذلك كله قررت دمشق تأييد quot;مرشحquot; مدعوم من السعودية، ومقبول منها هي حرصاً منها على استمرار العلاقة الطيبة معها وعلى جني الفوائد المهمة من هذه العلاقة.
ويعرف العراقيون والسوريون والايرانيون كما ابناء المنطقة كلها فضلاً عن الجهات الدولية ndash; الاقليمية المعنية ان النظام في ايران رفض علاوي وسدَّ طريق وصوله الى رئاسة الحكومة. وعمل على توحيد الطرفين الشيعيين المتنافسين رغم تحالفهما معه لأنهما يشكلان غالبية، ولأنهما بصفتهما هذه قادران على تأليف حكومة جديدة. ونجح في ذلك شكلاً. لكنه عملياً لا يزال يواجه صعوبات بسبب الخلافات الشخصية الحادة بين اركان الطرفين، وبسبب تناقض المصالح والطموحات داخل كل منهما وبين قادتهما وداخل قيادة كل منهما. وبسبب كل ذلك لا يزال العراق من دون حكومة عاملة رغم انقضاء قرابة ستة اشهر على الانتخابات، الامر الذي اقلق العراقيين ودول الجوار وحتى اميركا والمجتمع الدولي. ذلك ان الفراغ السياسي بدأ يواكبه فراغ عسكري وربما امني او على الاقل انحسار امني وعسكري بعد تنفيذ اميركا المرحلة قبل النهائية من انسحابها العسكري من العراق. وبدأ يواكب الفراغ ايضاً تصعيد للإرهاب وتوجيه له بحيث يعيد اشاعة مناخات ملائمة لمعاودة الحرب الاهلية وربما المذهبية بين العراقيين.
هل يتفق الاطراف المتنافسون بحدة في العراق على الموضوع الحكومي؟ وهل يستمر الخلاف السوري ndash; الايراني حول الموضوع نفسه؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة القيام بأي دور ايجابي على هذا الصعيد؟
لا يستطيع احد انكار حقيقة ان العراقيين، ورغم تأثر بعضهم بالسعودية وبعضهم الآخر بسوريا وبعضهم الثالث بايران، تصرفوا احياناً كثيرة اثناء ازمتهم الحكومية المستمرة انطلاقاً من quot;وطنيةquot; عراقية او انتماء عراقي وكذلك من مصالح شخصية. وقد ساهم ذلك في احباط جهود الدول المذكورة لإيجاد حل. لكن لا يستطيع احد ايضاً انكار امور اخرى سيكون لها دور في حل الازمة. منها الضغط الاميركي على الجميع للتفاهم تلافياً للحرب التي تؤذيهم كلهم. والتمسك الايراني بالخطوط العريضة لتسوية حكومية ملائمة لها. وعجز السعودية عن فرض التسوية التي تريد للأزمة الحكومية. ونجاح ايران الاسلامية وسوريا بشار الاسد في التوصل الى تفاهم نتيجة لقاءات ومشاورات عدة ربما ليس على التسوية الحكومية في ذاتها بل على آلية التعاطي مع الأزمة بغية ايجاد حل لها. وهذا التفاهم يؤكد حصوله قريبون من طهران ودمشق في بيروت ولا ينفيه قريبون من الرياض، رغم انهم يحاولون اعطاء تفسيرات لبعض مضمونه لا تتوافق مع هذا المضمون. وقد لفت هؤلاء الى ان quot;سوريا كانت تتعاطف مع السنة في العراق وتدعم بعض مقاومتهم للاحتلالquot;، والى ان quot;ايران كانت تدعم الفصائل الشيعية على اختلافها، كما كانت لها علاقة مع بعض السنّة وخصوصاً الاسلاميينquot;. وقالوا ان quot;دمشق ابلغت الى ايران اثناء انتخابات العراق انها تدعم علاوي، وانها اتفقت على ذلك مع السعودية، وان لها فيه حصة تراوح بين 15 و18 في المئة، في حين ان البقية هي لاميركاquot;. وقالوا ايضاً: quot;ما حصل بعد ذلك معروف. حصل الاختلاف ووقعت الازمة بعد فوز علاوي بغالبية نائبين، فحصلت مشاورات بين طهران ودمشق اثمرت تفاهماً من شقين. الاول، لزوم تشاور البلدين في كل موضوع عراقي وخصوصاً الانتخابات والمواقع ومنها رئاسة الحكومة. ووجوب اتفاقهما على كل ذلك وعلى ان يكون لكل منهما حق quot;الفيتوquot; الامر الذي يلزمهما التشاور. اما الشق الثاني، فهو ابعاد علاوي عن رئاسة الحكومة، والبحث في اسماء اخرى لهذا الموضوع منها عادل عبد المهدي والجعفري ونوري المالكي. لم تقبل سوريا المالكي لأنه اتهمها علانية وغير مرة بالمسؤولية عن الإرهاب في العراق. لكنها اكدت انها يمكن ان تقبله رئيساً للحكومة quot;على مضضquot; اذا ارادته ايران. اما اذا وضعت quot;فيتوquot; عليه فسيستبعدquot;.
ويبدو استناداً الى القريبين انفسهم من دمشق وطهران والرياض في بيروت ان هذا التفاهم لا يزال سارياً. لكنه لم يصل بعد الى النهاية السعيدة. فهل يصل اليها؟