محمد بن هويدن

إعلان دولة البحرين عن تفكيكها لخلية إرهابية تعمل على تأجيج الفتنة والإطاحة بنظام الحكم في ذلك البلد إنما هي سابقة خطيرة في المنطقة الخليجية التي عهدنا دولها تتمتع بعلاقة قوية بين شعوبها وحكامها.

بل أن الأدهى من ذلك كله أن يحدث مثل هذا الأمر في دولة كالبحرين التي تتمتع بوجود قيادة سياسية شابه تتسم بالانفتاح على مكونات المجتمع المختلفة، وتعمل على تحقيق اللحمة الوطنية فيما بينها، وتؤمن بحقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية.

هذه المعادلة التي من المفترض أن يؤسس عليها الجميع لعلاقة متميزة بين مكونات الشعب البحريني نجدها وللأسف الشديد تُستغل من قبل البعض لتحقيق مآرب لهم لا تمت بصلة للنسيج العام البحريني الذي ظل طوال هذه السنين ملتف حول واقعه وحول نظامه السياسي بقيادة آل خليفة الكرام.

إن الخصوصية التي تتمتع بها الأنظمة السياسية لدول الخليج العربية تجعلها أكثر استقراراً داخلياً من غيرها من النظم، فهي دول ملكية النظام تعتمد على حكم عائلة حاكمة متفق عليها، ونالت هذا التكليف عن استحقاق، وتعمل على تسيير شؤون البلاد بشكل يحقق الانسجام بين مكونات الشعب المختلفة وتعمل على تحقيق هدف رفعة الإنسان المواطن في تلك الدول. هذه الأرضية هي التي جعلت هذه التركيبة السياسية تستمر مئات السنين في المنطقة الخليجية.

ونادراً ما حدث تحد لهذه المعادلة في التاريخ الحديث والمعاصر لدول المنطقة إلا في فترات معينة ومحدودة جداً كزمن الثوار الماركسيين في فترة الستينات والسبعينات الذين انطلقوا بفلسفة تغيير الأنظمة الحاكمة في المنطقة بحجة علاقتها بالغرب ومحاولة هؤلاء الثوار تغيير النظام السياسي في المنطقة إلى نظام ماركسي يعتمد خطوطاً جديدة غير تلك التي كانت قائمة فيها، وزمن العدوان العراقي الغاشم على دولة الكويت وتغير نظامها السياسي لفترة قصيرة بنظام سياسي بعيد كل البعد عن مكونات المجتمع الكويتي، ولزمن ربما القاعدة التي رفعت في فترة من الفترات شعار قلب الحكم في السعودية، ولفترة أخرى لجماعة محدودة جداً في عمان قيل أن هدفها أيضاً قلب الحكم هناك.

غير ذلك فإن التاريخ الحديث والمعاصر لدول منطقة الخليج العربي لم يُبرز لنا أمثلة واضحة لتحديات مباشرة لأنظمة الحكم في المنطقة أكبر من الأخطار الخارجية التي كانت متمثلة في خطر الثوار الماركسيين وخطر صدام حسين؛ فالعلاقة القائمة بين شعوب دول هذه المنطقة وحكامها هي أكبر بكثير من مثل تلك التحديات التي لم تستطع أن تحقق أهدافها رغم استخدامها لجميع الطرق في سبيل ذلك.

وما يحدث في البحرين لا يمكن أن نعتبره إلا خروجا عن النسيج العام القائم في المنطقة الخليجية بشكل عام وذلك البلد بشكل خاص والذي هو في الأساس نسيج ملتف كل الالتفاف حول قيادته السياسية التي استطاعت أن تقدم له الكثير من ما يرغب في الحصول عليه.

قد يكون هناك بعض الأمور التي قد لا تُرضي الجميع في دولة البحرين إلا أن مثل هذه الأمور لا يمكن ان تكون سبباً في إشاعة الفتنة وتمزيق اللحمة الوطنية في ذلك البلد الذي استطاع مع حكم الملك حمد بن عيسى آل خليفة أن يحقق إنجازات تعدت في تأثيرها خطوات الداخل البحريني لتصل إلى الخارج الذي صنف هذه الدولة الفتية من ضمن أكثر الدول حرية في منطقة الشرق الأوسط.

إن ما تحتاجه البحرين هو أن يعمل أهلها جنباً إلى جنب مع قيادتهم السياسية الواعية للمحافظة على ما تم إنجازه من أجل النهوض بالبحرين بمزيد من الانجازات التي تحقق الخير للجميع.

إن ما لدى البحرين من قيادة سياسية هو مكسب حقيقي بحاجة إلى أن يستثمر من خلالها البحرينيون لإنجاح مشروعهم الوطني، فليس من مصلحة البحرينيين على الإطلاق أن تتراجع القيادة السياسية عن توجهها نحو تعزيز الانسجام والوحدة من خلال الانفتاح واحترام الحقوق الإنسانية والديمقراطية والعودة بهم إلى حالة الانغلاق السياسي.

فالحقيقة التي يجب أن يدركها كل بحريني هي أن البحرين وإن كانت صغيرة في حجمها الجغرافي إلا أنها كبيرة في مشاريعها التنموية الإنسانية والسياسية.

وما حدث في البحرين وإن كان لا يعبر عن حال التركيبة الوطنية في ذلك البلد التي تتسم بالالتفاف حول قيادته السياسية إلا أنه يأخذنا إلى ضرورة التذكير بحقيقة هامة يجب على جميع الدول الخليجية أن لا تتغافلها وهي أن هذه الدول بحاجة إلى برامج وطنية لتحقيق التلاحم الوطني بين مكونات المجتمع المتمثلة في الشعب وقيادته السياسية.

إن برامج التلاحم الوطنية وإن كانت حاجتها أكثر بروزاً في بعض الدول الخليجية عن غيرها إلا أن الحقيقة هي أن جميع الدول بحاجة إلى البدء بها لما لها من أهمية في كبح جماح أي عارض يمكن أن يبرز لتهديد النسيج العام في مثل تلك الدول.

فالتلاحم الوطني يجب أن يركز على الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الدولة من خلال تطبيق ما جاءت به دساتير تلك الدول، ويجب أن يعمل على ترسيخ الانسجام بين أفراد المجتمع بمختلف شرائحه وطوائفه بحيث يكون الجميع كالبنيان الواحد وذلك من خلال برامج لدعم تلك الشرائح والطوائف ودمجها في المجتمع، ويجب أن يتم التأكيد على أهمية الولاء للقيادة السياسية من قبل جميع أفراد المجتمع.

هذه القواعد الثلاث هي الأساس الذي يجب أن تنطلق من خلالها برامج التلاحم الوطني في الدول الخليجية بهدف دعم الاستقرار والأمن والأمان والمحافظة على خصوصية المجتمعات الخليجية، وبالتالي لابد على دول الخليج أن تولي مسألة التلاحم الوطني أهمية كبيرة في هذه المرحلة بالذات.