حمد سالم المري
الفتوى باقية يعمل بها من بقي من الأحياء حتى تقوم الساعة
في بداية ظهور القنوات الفضائية العربية منتصف التسعينيات من القرن الماضي ظهر أحد مشايخ الأزهر في برنامج متخصص في أمور الشريعة وقد استقبل مكالمة من امرأة تسأله عن جواز رقصها رقصا شرقياً بلباس محتشم أمام الرجال في الأفراح فأجاب هذا الشيخ بحرمة هذا العمل كونه فتنة فحاولت المرأة اقناع الشيخ بتحليله ذلك لها كونه العمل الوحيد الذي تتقنه وتقتات وتعيش من ورائه فرد عليها الشيخ بالقول laquo;بص يا بنتي احنا وسعنا في الدين أدي كدا... شبر زيادة في النارraquo; وفرد ذراعيه اليمنى في أقصى اليمين واليسرى في أقصى اليسار. وهذه الحادثة قد تكون قريبة من فتاوى عدد من مشايخ من يسمون أنفسهم ndash; مشايخ فقه الواقع ndash; ومن هؤلاء الدكتور يوسف القرضاوي ndash; هداه الله ndash; الذي عرف عنه الكثير من الفتاوى الغريبة التي لا ترتكز على أي نص شرعي من القرآن أو السنة. ففي عام 2004 أفتى في ندوة (التعددية في الاسلام) التي نظمتها نقابة الصحافيين المصرية بوجوب قتل الأمريكان في العراق دون تمييز بين عسكري مقاتل أو مدني جاء للاغاثة أو التجارة. ورغم ان هذه الفتوى جاءت نتيجة احتلال القوات الأمريكية والبريطانية للعراق الا أنه لم يفت بجواز قتل هؤلاء الأمريكان في دولة قطر وهو يعلم ان المركز الأمريكي لادارة الحرب يقبع في قاعدة العديد الأمريكية في قطر وغالبية الطائرات التي قصفت العراق كانت تنطلق من قطر. اننا نعلم ان قتل المدنيين سواء أكانوا أمريكيين أو من جنسيات أخرى أوروبية لا يجوز شرعاً لآن الاسلام يحرم قتل النفس دون سبب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينصح الصحابة عندما يرسلهم للقتال ألا يقتلوا أي مدني لا يحمل السلاح وهذا يخالف فتوى القرضاوي. ولم يكتف القرضاوي بهذه الفتوى بل أفتى في عام 2006 بفتوى غريبة لا تخالف الشريعة الاسلامية فقط بل وتخالف العقل والفطرة السليمة كفتواه بإجازة القتل الرحيم المتمثلة في رفع الأجهزة الطبية عن المريض الميت دماغياً والروح مازالت فيه حيث انه عائش بواسطة هذه الأجهزة بدعوى ان موته راحة له ولأهله كأنه بهذه الفتوى أرحم من الله خالقه وخالق هذا المريض الذي ابتلاه بهذا المرض لحكمة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم laquo;ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها الا كفر الله بها من خطاياهraquo; متفق عليه. بل ان الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من تمني الموت فما بالك بمن يجيز قتل النفس المريضة بدعوى تخليصها من آلام المرض فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم laquo;لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فان كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني اذا كانت الوفاة خيراً ليraquo; متفق عليه. وفي عام 2009 أفتى القرضاوي بجواز مصافحة الرجل للمرأة بشرطين هما laquo;أن تكون هناك ضرورة، وحال أمنت الفتنةraquo; مستنداً في هذه الفتوى على تصرفاته اذا قام بزيارة قريته (صفط التراب) التابعة لمدينة المحلة الكبرى شمال القاهرة كون ان قريباته ممن هم غير محارمه يستقبلنه ويمددن أيديهن لمصافحته فيضطر لمصافحتهن لأنه كما يقول laquo;الفتنة مأمونة في تلك المصافحة بحكم القرابة وكبر السن، وليس من اللائق رد يد القريبة أو الجارة الممدودة يدها للسلامraquo;. فالقرضاوي - هداه الله - يرى ان تصرفه حجة في الاسلام مخالفاً فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم من الزلل في الدين الذي رفض مصافحة الصحابيات رضي الله عنهن عند بيعة الاسلام مكتفياً بالمبايعة بالكلام من وراء حجاب بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه الطبراني laquo;لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له ان يمس امرأة لا تحل لهraquo;. ولم يتوقف القرضاوي عن هذه الفتاوى الشاذة بل خرج علينا الأسبوع الماضي بفتوى جديدة يحلل فيها غناء المرأة بحجة laquo;اذا كانت الأغنية ذات قيمة وغير مثيرة للشهوات ومن دون رقص وخمر كأغنية (ست الحبايب) للمطربة فايزة أحمدraquo;. وكعادته هداه الله لم يشر الى أي دليل من القرآن أو السنة تثبت صحة هذه الفتوى. بل ان هذه الفتوى تخالف الشريعة الاسلامية التي تحرم ترقيق المرأة لصوتها وتعمدها تكسر كلامها عند مخاطبتها للرجال مصداقاً لقول الله تعالى في سورة الأحزاب الآية 32 {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا} فكيف اذا غنت ونحن نعلم ان الغناء يتطلب ترقيق الكلام وتكسره ومياعته؟. فهذه الآية حثت نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين العفيفات الطاهرات الذين آثروا الآخرة على الدنيا وهذا يؤكد أنها جاءت لعموم نساء المسلمين لأن أمهات المؤمنين قدوة لنساء المسلمين. كما ان هذه الفتوى تخالف القرآن والسنة التي تحرم الغناء بالمعازف، فقد فسر بن مسعود رضي الله عنهما قول الله تعالى في سورة لقمان الآية (6) {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين} بقوله laquo;والله انه الغناء والله انه الغناء والله انه الغناءraquo;. فهذه الآية حتى ولو لم تكن صريحة في تحريم الغناء والمعازف الا ان ابن مسعود الصحابي الجليل الذي خالط النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم من مدرسته المحمدية وجهاً لوجه أقسم بالله ثلاثاً ان المقصود بها الغناء. كما ان القرضاوي مهما حصل على شهادات عليا في الشريعة الاسلامية ومهما تبوأ مراكز ومناصب عليا في منظمات اسلامية لن يكون أعلم أو أفقه من معلم البشرية ونبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال laquo;ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازفraquo; رواه البخاري. أننا نوجه رسالة مشفقين الى الدكتور يوسف القرضاوي الذي بلغ من العمر ما بلغ ndash; نسأل الله له الصحة والعافية وطول العمر على طاعته ndash; اذا أرد ان يفتي ان يسوق الدليل من القرآن الكريم والسنة المطهرة التي تثبت فتواه. أو ينشغل عن هذه الفتاوى الغريبة بذكر الله والتسبيح والتهليل والاستغفار لأن النفس البشرية فانية ومحاسبة على أفعالها وأقوالها. أما الفتوى فباقية يعمل بها من بقي من الأحياء حتى تقوم الساعة.
التعليقات