محمد كريشان

'التفاوض مع المتعصبين أمر يبدو لي خطيرا للغاية. التدخل العسكري وأيا كانت خسائره الجانبية هو الطريقة (المثلى) لنظهر لهؤلاء المجانين الموتورين أننا لا نخشاهم. أقدموا على ضربة قوية وحرروا إلى الأبد هذا الجزء من العالم من قبضة الإسلاميين المتطرفين!!. الأمر ليس معقدا جدا فالصحراء ممتدة ويمكن رصدهم بسهولة بالوسائل (المتطورة) المتوفرة هذه الأيام. علينا التضحية أحيانا لننتصر على الفوضى المتطرفة'.
بهذه الحماسة كتب أحد قراء جريدة 'لومانيتي' الفرنسية على موقعها على الإنترنت تعقيبا على قرار بلاده الدخول في مفاوضات مع ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي تبنى خطف الفرنسيين الخمسة بين صحراء مالي وصحراء الجزائر قبل عدة أيام. لم يستمع احد في فرنسا لمثل هذه الصرخة مع أن كثيرا من الفرنسيين وغيرهم قد يكونون من مؤيديها لكن حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي رأت شيئا آخر. قالها الإيليزي بأوضح طريقة مـــمكنة: 'المحادثات (مع الخاطفين) لم تبدأ لكننا منفتحون على أية محادثات ونحن مستعدون للتناقش مع الخاطفين'. حتى رئيس الأركان الفرنسي أدوارد غيو لم يتردد في التصريح بأن باريس مستعدة للشروع في الاتصال بالتنظيم الخاطف 'في أي وقت' مستبعدا تماما أي تدخل عسكري لإطلاقهم رغم تعزيز القوات الفرنسية القريبة من تلك المنطقة بثمانين جنديا وصلوا النيجر لأغراض طلعات الاستطلاع فوق المنطقة التي يرجح أن يكون فيها المختطفون.
حتى المعارضة الفرنسية المتصيدة عادة لأخطاء وعثرات ساركوزي وحكومته لم تندد بالتوجه لمحاورة الخاطفين خاصة بعد عملية عسكرية فاشلة قبل أسابيع لم تؤد في النهاية سوى لقتل الرهينة الفرنسي ميشال جيرمو الذي اختطف من قبل ذات التنظيم. هذه المعارضة اكتفت إلى حد الآن بالتعبير فقط عن استنكارها لضعف الإجراءات الأمنية لحماية الفرنسيين العاملين في تلك المنطقة التي تكثر فيها عمليات الخطف.
ما قد يكون زاد في إبعاد باريس عن اختيار الحل العسكري، إلى جانب صعوبة تحمل فشل جديد، تحذير القاعدة من أي لجوء إلى القوة خاصة وأن مالي أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أنها لن تقبل بوجود قوات فرنسية أو أمريكية أو غربية عموما على أراضيها. مع ذلك، بدا غريبا أن تقدم فرنسا على محاورة تنظيم تراه إرهابيا في ذات الوقت الذي كانت تنسق فيه مع دول تلك المنطقة في أفضل السبل لمحاربته.
التفاوض مع 'القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي' لا يطرح فقط إشكالا مبدئيا بل يمتد أيضا إلى أن التفاوض في هذه الحالة لا يعني سوى تقديم فدية مالية أو أسلحة مقابل إطلاق سراح الفرنسيين. كلا الأمرين ليس هينا على الإطلاق حتى أن مسؤولا أمنيا جزائريا رفيعا صرح قبل أيام قليلة بأن المبالغ المالية التي دفعت للتنظيم سواء من إسبانيا أو غيرها هي التي تمثل الآن عصب الحياة لاستمرار عمليات التنظيم سواء لجهة استمرار عمليات الخطف وما تستلزمه من استعدادات لوجستية أو القدرة على مواجهة إلى حد كبير ندية مع بعض المجموعات العسكرية النظامية في موريتانيا مثلا.
اللافت هنا أن فرنسا التي ستشرع في محاورة القاعدة وربما دفع فدية قد يعلن عنها وقد يلفها الكتمان الشديد هي ذات فرنسا التي أعربت عن دعمها لمقترح جزائري قد يقدم إلى الأمم المتحدة يعتبر أن أي فدية للإرهابيين تمويل للإرهابيين وأي إفراج عن معتقلين مقابل رهائن عمل مرفوض وغير أخلاقي وذلك بعد أن فعلت اسبانيا الأولى وموريتانيا الثانية.
المثل الشعبي يقول فرق بين من يتلقى ضربات العصا وبين من يقوم بعدّها أو المثل الآخر الذي يقول لن يحس بلهيب الجمرة إلا من يمشي فوقها!!