جوبا (جنوب السودان) - محمد هاني

كان الفارق شاسعاً بين الترحيب الرسمي الكبير بالرئيس السوداني عمر البشير في جوبا، عاصمة الجنوب، والاستقبال الشعبي الذي لقيه في الإقليم وكان بمثابة وداع قبل الانفصال المرتقب عن الشمال في استفتاء تقرير المصير الذي يبدأ الأحد المقبل.

وفي وقت استقبل النائب الأول للرئيس السوداني رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت مع أركان حكومته البشير عند سلم الطائرة ليقلده وشاحاً تقليدياً يرتديه وجهاء القبائل في الإقليم، وعزفت الموسيقى العسكرية وعرض حرس الشرف، كان نحو ثلاثة آلاف شخص يهتفون: laquo;باي باي بشير... باي باي وحدةraquo;.

وردد المحتشدون على جانبي طريق المطار، والذين جاء بعضهم بزيه القبلي التقليدي، هتافات مؤيدة للانفصال، وحملوا لافتات كتب على إحداها laquo;أهلاً بالرئيس البشير في دولة جنوب السودانraquo;، فيما دعته أخرى إلى laquo;الإفراج عن ابييraquo; المنطقة الغنية بالنفط المتنازع عليها بين الشمال والجنوب.

ورفع معظم الجنود في المطار، باستثناء حرس الشرف، رايات صغيرة إلى جانب بنادقهم عليها شعار الانفصال، كما ازدانت بالشعار ذاته غالبية السيارات والحافلات التي أقلت مرافقي البشير إلى القصر الرئاسي في جوبا laquo;جيه وانraquo;.

ولم يخرج البشير في سيارته المكشوفة المعتادة، بل في سيارة معتمة، يسبقه حراسه الذين كانوا يتابعون الحشود.

وسعت حكومة الجنوب إلى التقليل من هذا الاستقبال العاصف. وقال وزير الإعلام برنابا بنجامين لـ laquo;الحياةraquo;، فيما كان المحتشدون يهتفون ضد الوحدة على بعد بضعة أمتار منه: laquo;هذه ليست تظاهرات. ليست تظاهرات أبداً. هذه مجموعات قبلية تقليدية تستقبل الرئيسraquo;. وأضاف أن رفع اللافتات المؤيدة للانفصال laquo;تعبير عن الرأي بحرية وبأسلوب سلميraquo;.

لكن laquo;الحياةraquo; لاحظت أن كثيرين من المشاركين في التظاهرات غادروا ساحة مطار جوبا على متن شاحنات تابعة لـ laquo;الجيش الشعبي لتحرير السودانraquo;.

وألغى البشير خطاباً كان مقرراً أن يلقيه عند ضريح مؤسس laquo;الحركة الشعبية لتحرير السودانraquo; جون قرنق، وكلمة كان يفترض أن يلقيها أمام برلمان الجنوب. ورفض مسؤولون جنوبيون التعليق على سبب تغيير جدول الزيارة، لكن أحدهم لمح إلى أن السبب هو تخوف الرئيس من استقبال غير ودي، خصوصاً عند الضريح حيث كان يفترض أن يوجه كلمته إلى الجنوبيين.

وبعد اجتماعه مع سلفاكير في القصر الرئاسي لمدة ساعة، التقى البشير أعضاء حكومة الجنوب وممثلي المجتمع المدني، وناقش معهم الترتيبات للاستفتاء وما بعده والقضايا العالقة بين الطرفين، خصوصاً مصير منطقة ابيي الغنية بالنفط المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، التي تعهد خلال مؤتمر صحافي مع نائبه الأول، حلها قبل نهاية الفترة الانتقالية في 9 تموز (يوليو) المقبل.

وفي وقت طمأن سلفاكير البشير إلى أن laquo;الجنوب لن يكون أبداً قاعدة لأي تمرد أو معارضة ضد الشمالraquo;، مؤكداً أن حكومته laquo;طردتهم من جوباraquo;، شدد الرئيس السوداني على laquo;الالتزام القاطع بتنفيذ اتفاق السلام واحترام خيار الجنوبيين، سواء كان الوحدة أو الانفصال، وتقبله بصدر رحبraquo;. ودعا إلى استمرار العلاقات بين الشمال والجنوب على مختلف المستويات في حال الانفصال، قائلاً: laquo;هذا كان بلداً واحداً وشعباً واحداًraquo;.