محمد خلفان الصوافي

ترسم تفاصيل الأحداث السياسية الجارية في لبنان صورة قاتمة وبالغة الخطورة لما يمكن أن يحدث على الأرض خلال الأيام المقبلة. والسبب متعلق بما يحمله قرار المحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري والمعروف بـquot;القرار الظنيquot;، الذي سوف تعلن من خلاله المحكمة الدولية أسماء المتهمين في فبراير القادم. سير التطورات اللبنانية وسرعته نحو الحافة يصعب من التحركات الدبلوماسية لإيقافها ولإيجاد توافق بين الفرقاء. ورغم أن المشكلة اللبنانية داخلية بين القوى السياسية، أو هكذا يظهر على السطح، فالأمر له علاقة بالتوازنات الإقليمية وهو ما يزيد من تعقيد المشكلة وتفاقم تبعاتها. الاحتقان السياسي في لبنان يثير المخاوف والقلق مما تسير إليه الأمور فكما أن لإيران حساباتها في ما يحصل داخل لبنان فإن إسرائيل وسوريا والسعودية وآخرين لهم مصالحهم أيضاً في من يسيطر على الوضع اللبناني. والواقع أن كل القوى السياسية تبحث عن مصالحها الخاصة، لذلك حصلت ترتيبات سياسية جديدة وبدأت حروب كلامية، قد تتبعها النارية، وقد خلط على أساسها اللبنانيون الخلافات السياسية بالأمنية فصار المواطن اللبناني مهدداً والوطن يعاني عدم الاستقرار أصلاً.

لم تعد هناك قواسم مشتركة بين اللبنانيين إلا الاتفاق على الاختلاف وتهديد الاستقرار الوطني للدولة باعتبار أن النتيجة النهائية للحكومة الجديدة لابد أن ترضي الداخل والخارج أيضاً. لقد تم إفشال كل المبادرات والأفكار للوصول إلى حل، والكل متمسك بموقفه من دون محاولة للوصول إلى منتصف الطريق. الكل يرفض تقديم تنازلات سياسية للفريق الآخر في بلد يفترض أن quot;التعايشquot; بين كل اختلافاته هو الأساس؛ التعايش الديني والتعايش الطائفي والتعايش السياسي.

والغريب أن العالم كله يدفع من أجل التوافق، لكن زعماء لبنان يصرون على السير نحو التناقضات. فكل مساعي المصالحة العربية والإقليمية والدولية فشلت، وبالأصح تم إفشالها، بسبب تعنت القادة اللبنانيين. السعودية أعلنت quot;رفع يدهاquot; عن لبنان بعدما كانت الداعم الأساسي في كل أزمة. قطر وتركيا تراجعتا عن مساعيهما بسبب quot;عنادquot; بعض الأطراف التي استهواها منطق التهديد ولعبة إنزال القوات على الأرض في إشارة لها دلالتها السياسية.

أيقن الخارج أن تحقيق الحل صعب لأن السياسيين الذين تعودوا إطلاق الرصاصة الأولى يركزون على مصالحهم ومصالح ممثليهم في الخارج. هذا كله دفع بأن تظهر نغمة جديدة من الوسطاء بترك لبنان ليواجه مصيره بعدما أصبحت المصالحة بين قوى 14 آذار (الحريري وحلفاؤه) و8 آذار (quot;حزب اللهquot; وحلفاؤه) معقدة، لكنها ليست مستحيلة إذا ما توفرت الإرادة الوطنية اللبنانية باعتبارها الحصن الأول والأخير مما يحصل الآن.

كل ما يتطلع إليه الآخرون الآن هو أهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به الفرقاء اللبنانيون للحفاظ على السلام والأمن الاجتماعي للبنان. فلبنان يدخل مرة جديدة في نفق سياسي لا يمكن تقدير تداعياته.

والمؤسف في الأمر أن البعض يعتقد أن حصول اللحظة الانفجارية مطلوب على الأقل لأنه سيفرغ الشحنة وبالتالي سوف يساهم في إيجاد مخرج سياسي لحالة الاحتقان والتشنج. هذا حال لبنان في كل مرة. سقط نموذج التعايش ولم يعد هناك أحد قادراً على وقف التدهور. الكل قلق ومنتظر. الكل خاسر. والخاسر الأكبر بطبيعة الحال هو الشعب والدولة اللبنانيان.

والدرس هنا إن المغامرات السياسية لا تخدم الأوطان خاصة في دولة مثل لبنان التي تعيش على التوازنات الداخلية والإقليمية. هناك فرص لتلاقي الفرقاء من أجل مصلحة لبنان خاصة بعد تجارب مريرة عاناها الكل، واللبنانيون أدرى!