محمد الأشهب

دعوة وزير الخارجية الجزائري السابق الأخضر الإبراهيمي معاودة فتح الحدود المغلقة بين بلاده والمغرب لها أكثر من دلالة، أقربها أنها صادرة عن مسؤول جزائري عرف بدفاعه عن المنظومة الإقليمية التي اسمها الاتحاد المغاربي. كما أن توقيتها في ظرف تتجه فيه الجزائر إلى ترتيب علاقاتها مع بلدان الجوار، ومنها ليبيا ما بعد الثورة، يفيد بأن التفات الجزائر شرقاً لا يكتمل من دون التطبيع إيجاباً مع الجار الغربي.

قد يبدو للوهلة الأولى، أن البلدين الأكبر في منطقة الشمال الإفريقي، المغرب والجزائر، استطابا التعايش مع قطيعة حدودية مستمرة منذ اكثر من 15 عاما. رغم ما بين البلدين من أواصر ومصالح.

في تاريخ البلدين الجارين، أن الحسن الثاني كان أول رئيس دولة يزور الجزائر رسميا بعد استقلالها، للدلالة على أن خلاص بلد المليون شهيد من الاستعمار الفرنسي كان نصراً لكل دول المنطقة. وفي مثل ذلك الزخم، أصر العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى زيارته الجزائر قبل حوالى ست سنوات أن يمكث بالعاصمة أكثر وقت ممكن. فقد أنعشت مباحثاته والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة آمالا عريضة في طي صفحة اللاجوار.

لم يحدث شيء من تلك التوقعات التي كانت مفرطة في التفاؤل. فقد حافظ البلدان على مسافات الحذر وعدم الثقة. وفي أي وقت تنطلق المساعي الحميدة لرأب الصدع، يأتي الرد بأن ما يربط البلدين من وشائج وأواصر لا يتطلب وساطات الغير. والحق أن من دون وساطات لم يكن لعلاقات البلدين الجارين أن تقف على أهبة التدهور وضبط النفس في آن واحد. وكما ليس في مصلحتهما النزوع إلى التصعيد، فإن أوضاع المنطقة برمتها لم تكن تحتمل انفلات الأمور عن السيطرة. والأكيد أيضا أنها لا تحتمل الوقوف طويلاً في صف الانتظار.

عطلت الجزائر والمغرب أكثر من مشروع تعاون ثنائي بالغ الأهمية، أقله على صعيد تنمية اقتصاديات الحدود والبدء في تنفيذ إجراءات التكامل الاقتصادي. وعطلتا قطار الاتحاد المغاربي عن الانطلاق في موعده المرتقب لنقل بلدان الشمال الإفريقي إلى فضاء الشراكة مع تنظيمات إقليمية، مثل الاتحاد الأوروبي أو مجلس التعاون الخليجي.

في ترانيم عودة الوعي أن المغرب تمنى على الجزائر رسمياً معاودة التطبيع وبناء علاقات الثقة، وأن الأخيرة ردت بطرح أكثر من مقاربة حيال ما تصفه بالتلازم بين الملفين الثنائي وقضية الصحراء. بقي التباعد عالقاً، ولم يحسب أحد مقدار الخسارة التي تراكمها قطيعة حدودية مغايرة لأبجديات حسن الجوار.

ما هو يسير وبديهي أن استمرار إغلاق الحدود يناقض كل توجهات الانفراج والكلام الجميل عن الروابط الأخوية. فلا المخطئ تراجع ولا المحق جذب إليه غريمه. مع أنه يكفي القيام بأبسط استطلاع رأي لاستخلاص سلبيات عناد جغرافي ضد مسار التاريخ. إذ يصبح عسيراً على سكان الشريط الحدودي المرتبطين بزيجات ومصاهرات أن يصافحوا بعضهم من دون عناء. فالأوروبيون بنوا وحدتهم على قاعدة ثورة المواصلات التي هدمت أسوار الحدود.

وما من منطق أو استقراء يفيد بأن حواجز الحدود المغلقة يمكن أن تصنع سياسة إخاء وتعاون. ففي إمكانها أن تردع بعض المخاطر الأمنية، في حال وجود مخاوف. لكنها لا تستطيع أن تحول الاستثناء إلى قاعدة.

ربما أن البلدين تخلصا من عقدة أمنية يعود تاريخها إلى آب (اغسطس) 1994. لكنهما لم يقتلعا بعد ركام تداعياتها التي تناثرت شظايا في أكثر من اتجاه. فمن يعلم الأجيال الجديدة في المغرب والجزائر على حد سواء أن حدودهما المغلقة الآن شكلت عناوين بارزة في تلاحم وتضامن شعبين شقيقين.