يتجه التعاون الاقتصادي بين الرباط وباريس نحو مستويات أكثر قوة، ويظهر هذا واضحا في مشروع القطار السريع الذي سيأتي الرئيس الفرنسي اليوم من أجل المشاركة في وضع أساسه مع العاهل المغربي الملك محمد السادس وسط تساؤلات عدة حول مدى حاجة المملكة لمثل هذا المشروع في ظل الوضعية الاقتصادية الحالية.


الملك محمد السادس والرئيس ساركوزي- ارشيف

تحمل زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى المغرب في طياتها أجندة خفية. فهذه الزيارة، حسب مراقبين، لن تقتصر فقط على حضور حفل انطلاق أشغال مشروع القطار فائق السرعة (تي. جي. في)، الذي سيربط مدينة البوغاز بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، بل تعد فرصة بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي من أجل التباحث مع العاهل المغربي الملك محمد السادس حول مجموعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، سواء على المستوى الثنائي، أو الإقليمي، أو الدولي.

هذا ما أكده تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية، إذ قال إن quot;زيارة ساركوزي لن تقتصر فقط على الجانب المتعلق بحضور حفل إعطاء انطلاقة القطار السريع، بل هي فرصة للتشاور في التطورات المذهلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقياquot;.

نقطة أخرى ستتضمنها أجندة الزيارة، يشرح تاج الدين الحسيني، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، quot;تتمثل في مشاورات الرئيس الفرنسي بخصوص الاتحاد من أجل المتوسط، الذي كانت باريس ترغب في الوصول به إلى أبعد مدى، بعد أن أجهضت المحاولة عن طريق التدخل الألماني بالأساس. ولم يعد اتحاد المتوسط، بل من أجل المتوسطquot;.

واعتبر الحسيني أن ساركوزي، ربما يستغل وجوده في المغرب، من أجل التشاور كذلك في قضايا داخلية، ومنها الوضعية السياسية في بلده، إذ إن اليسار الفرنسي يحرز تقدما مهما، فهو لأول مرة يسيطر على مجلس الشيوخ، وهذا ستكون له إرهاصات بالنسبة إلى الرئاسيات المقبلة، الأمر الذي يضع ساركوزي، بعد تراجع شعبيته، في وضعية محرجةquot;.

كما يرى تاج الدين الحسيني أن quot;زيارة ساركوزي للمغرب محاولة لدعم نفوذه على الصعيد الخارجي، وقد ينعكس ذلك إيجابيا على وضعه الداخلي في الانتخاباتquot;، مشيرا إلى أن quot;العلاقات المغربية الفرنسية سوف تبقى في جميع الأحوال، في وجود ساركوزي أو من دونه، في أعلى المستوياتquot;.

وذكر الخبير في العلاقات الدولية أن quot;هذه الزيارة كانت منتظرة على أساس أن العلاقات المغربية الفرنسية، تعتبر في قمة مستواها في ما يتعلق بالمبادلات الاقتصاديةquot;، مؤكدا أن quot;فرنسا هي الزبون الأول للمغرب، والممول الأساسي للمملكة بالنسبة إلى المواد الاستهلاكية المصنعة. كما أن باريس قامت بعمليات استثمارية كثيرة جدا في المملكة، على رأسها مشروع رونو، الذي انطلق في طنجة، ويعتزم تصنيع 100 ألف سيارة سنويا، ستصبح المنطقة منصة للتوزيع في الأسواق المجاورةquot;.

وأوضح تاج الدين الحسيني أن quot;العلاقات القائمة بين الرباط وباريس تتجاوز الإطار الثنائي والأوروبي إلى المجال المتوسطي، الذي يرتبط أساسا بمنظمة جديدة التي كان قد اقترحها ساركوزي، والتي أيّدها المغرب، وهي منظمة الاتحاد من أجل المتوسطquot;، مبرزا أن quot;باريس لعبت دورا أساسيا في إعطاء الرباط الوضع المتقدم داخل الاتحاد الأوروبي.

المشروع محط انتقادات

يتجه التعاون الاقتصادي بين الرباط وباريس نحو مستويات أكثر قوة، ويظهر هذا واضحا في مشروع القطار السريع، الذي سيأتي الرئيس الفرنسي بالأساس من أجل تدشينه والمشاركة في وضع أساسه مع العاهل المغربي الملك محمد السادس.

غير أن المشروع، الذي تصل تكلفته إلى 20 مليار درهم، يثير الكثير من الانتقادات، إذ يعتبر محللون أن المملكة ليست في حاجة إليه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

وقال إدريس بنعلي، باحث ومحلل اقتصادي، إن quot;المشروع غير ملائم، والقوة الشرائية للمغاربة لن تسمح لهم بالإقبال عليه، خاصة إذا علمنا أن سعر التذكرة بين الدار البيضاء وطنجة يمكن أن يصل إلى 500 درهم (60 دولارا)quot;.

وأكد إدريس بنعلي، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;فائدة القطار السريع ضئيلة بالنسبة إلى الاستثماراتquot;، مبرزا أنه quot;ليس ضروريا في الحالة الاقتصادية التي نعيشها الآنquot;.
وتساءل الخبير الاقتصادي quot;هل لدينا نشاط اقتصادي قوي لدرجة أن رجال الأعمال يتنقلون بالاستمرار بين المدنquot;، وزاد موضحا quot;يجب أن نكمل أولا الأمور التي بدأناها، قبل أن ننخرط في مثل هذا المشروعquot;.

وتبلغ سرعة القطار الجديد 320 كيلومترا في الساعة، ما سيمكن من تقليص مدة السفر من طنجة إلى العاصمة الاقتصادية من 4 ساعات و45 دقيقة إلى ساعتين و20 دقيقة. وتقدر التكلفة الإجمالية لـquot;تي جي فيquot; طنجة ـ الدارالبيضاء بحوالى 33 مليار درهم، وهو أول مشروع من نوعه في أفريقيا والعالم العربي.

ويعد المغرب الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية، ويحتل الصدارة في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، بقيمة تفوق 14 مليار أورو، أي حوالى 154 مليار درهم.