علي سعد الموسى
لم يكن لمعمر القذافي من خيار ليهرب إليه إلا الأمتار القليلة المربعة التي شهدت ولادة أنفاسه طفلاً وفيها أيضاً لفظ آخر أنفاسه. والسبب أنه لم يترك في كل أرجاء الدنيا الواسعة مكاناً إلا وزرع فيه روح الحقد والكراهية. وحتى المسلم المتسامح يشعر اليوم بسعادة هذا المصير البائس حين كان الطاووس يحرف آيات القرآن الكريم ويجهر علناً بطمس السنة النبوية. زعيم عاش لأربعة عقود في الحكم وما في قاموسه من شيء سوى المؤامرات والقتل والدسائس. من مؤامرة حاولت اغتيال عبدالله بن عبدالعزيز إلى غموض مقتل الإمام موسى الصدر. من طائرة ndash; الدلتا ndash; فوق النيجر حتى (البانام) فوق لوكيربي الأسكتلندية. ومن مقهى برلين حتى بضع ممرضات من بلغاريا. وأعظم إنجازات الزعيم الهالك أنه وزع خريطة الكراهية على 26 دولة هي جنسيات ضحاياه من مساقط الطائرات حتى ضحايا الملهى الألماني. وأخيراً عثروا عليه في عبارة فاقتادوه وهو يقول: يا أولادي لا تقتلوني، ومن سوء الخاتمة أن يطلب القاتل من أولاده ألا يقتلوه.
كان القذافي في حياته ومماته، جبروته وضعفه شهادة على النفاق اللاأخلاقي للعبة السياسة القذرة. برلسكوني الذي يبتهج البارحة بمصرعه هو نفسه الذي قبل يديه في روما في سابقة لم تحدث في تاريخ الغرب السياسي. ديفيد كاميرون الذي يبشر بليبيا الحرة هو نفسه الذي زاره في ليبيا قبل أشهر ليقول عنه بالحرف: زعيم عظيم لشعب عظيم. فرنسا التي قادت ضده تحالف الإسقاط هي من أرسلت له ذات يوم قريب أربعة وزراء في زيارة واحدة، دفعة واحدة.
أميركا تبلع قصة ndash; لوكيربي ndash; ليزوره بعدها وزراء الدفاع والخارجية. كل هؤلاء الأفاقين ذهبوا إليه أو استدعوه بعد أن بلعوا لوكيربي والدلتا ومقهى برلين، وكل هؤلاء الأفاقين إما قبّلوا يديه أو قبلوا صورة تذكارية بجواره عندما ينهي أحدهم كلمة تاريخية في حقه. هؤلاء الأفاقون هم من صنع هذا الديكتاتور. هم من استخدموه ومن صنعوا منه بطلاً. قبلوا يده عندما كان زعيم الخيمة ثم تباكوا فرحة بعد الرصاصة الأخيرة.
التعليقات