بول غروغمان

يبدو أن السعي الجمهوري اليائس لإيجاد من يمكن ترشيحه للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة ويكون غير ويلارد م. رومني، مستمر. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة في ولاية أيوا، على الأقل، أننا تجاوزنا مرحلة غينغريتش. الاسم التالي هو النائب (الجمهوري عن ولاية تكساس) رون بول.
يبدو هذا منطقياً إلى حد ما. فالسيد رومني لا يتمتع بالثقة لأنه يعتبر رجلاً على استعداد لأخذ أي موقف يعتقد أن من شأنه تعزيز موقعه السياسي وهذه تهمة لا تزال ملازمة له لأنها صحيحة. لكن السيد بول بالمقابل، استمر على مواقفه بشكل ثابت. وأراهنكم أنه ليس باستطاعتكم اكتشاف أي شريط مصور يعود لبضع سنوات إلى الوراء يقول فيه عكس ما يقوله الآن.
لكن لسوء الحظ، حافظ السيد بول على ثبات مواقفه من خلال تجاهل الواقع، متمسكاً بأيديولوجيته على الرغم من أن الوقائع أثبتت أن هذه الأيديولوجية خاطئة. ولسوء الحظ أكثر، فإن أيديولوجية بول تهيمن على الحزب الجمهوري الذي يفترض أنه يعلم أفضل.
ويقدّم السيد بول نفسه على أنه مؤمن بنظرية الاقتصاد quot;النمساويquot; وهي نظرية غني عن القول إنها تعارض تماماً نظرية (الاقتصادي الإنكليزي) جون ماينارد كينز (صاحب نظرية التشغيل والفائدة والنقود) وهي تعارض بالنسبة نفسها افكار (الاقتصادي الأميركي) ميلتون فريدمان (المؤيد لاقتصاد السوق بشكل كامل). وبالنسبة للنمساويين، فإن quot;المال الفياتquot;، المال الذي تطبعه الدول من دون تغطيته بالذهب، هو أساس جميع المشاكل الاقتصادية، ما يعني أنهم يعارضون بشكل شرس كل أنواع التوسع النقدي الذي زعم فريدمان أنه كان بإمكانه تجنّب أزمة الركود العظيمة (ما بعد الحرب العالمية الأولى) وهو ما اعتمده في الواقع (رئيس الاحتياطي الفدرالي المركزي) بين بيرنانكي خلال الأزمة الأخيرة.
حسناً، موجز مختصر: الاحتياطي الفدرالي لا يطبع في الواقع النقود الأميركية (الخزانة هي التي تفعل). لكن الاحتياطي الفدرالي يفرض سيطرته على quot;القاعدة النقديةquot; وهي مجموع الاحتياطات المصرفية والنقود الفعلية في التداول. لذا عندما يتحدث الناس عن أن السيد بيرنانكي يطبع النقود، فما يعنونه حقيقةً هو أن الاحتياطي الفدرالي قام بتوسيع القاعدة النقدية.
وفي الواقع، لقد كان هناك توسع هائل في حجم القاعدة النقدية. فبعد انهيار مصرف ليمان براذرز، بدأ الاحتياطي الفدرالي عملية تسليف نقود بكميات هائلة للمصارف إلى جانب شراء مجموعة واسعة من الأصول، في محاولة (ناجحة) لحفظ توازن واستقرار الأسواق المالية، وبالنتيجة، زيادة كميات كبيرة من الأموال على احتياط المصارف. وفي خريف العام 2010، بدأ الاحتياطي الفدرالي جولة جديدة من شراء الأصول، في محاولة أقل نجاحاً لتعزيز النمو الاقتصادي. والتأثير المشترك لهذه العمليات أدى إلى توسيع حجم القاعدة النقدية بثلاثة أضعاف.
والنمساويون، وفي هذه المسألة، مع العديد من الاقتصاديين اليمينيين، كانوا متأكدين من نتيجة ذلك: تضخم مدمّر. وحذّر المعلق الشعبي بيتر شيف، والذي كان مستشاراً للسيد بول، خلال برنامج غلين بيك الحواري التلفزيوني من إمكانية الوصول إلى نسبة تضخم مرتفعة جداً شبيهة بنموذج زيمبابوي.
وها نحن هنا بعد ثلاث سنوات. كيف يسير الأمر؟ لقد تفاقم التضخّم، لكن وفي نهاية اليوم، لم ترتفع أسعار المستهلك سوى 4.5%، ما يعني أن المعدل السنوي للتضخم ارتفع بنسبة 1.5% فقط. من كان بإمكانه أن يتوقع أن يؤدي طبع هذه الكمية الكبيرة من النقود إلى هذه النسبة البسيطة من التضخّم؟ أنا توقعت. وكذلك توقع آخرون الذين فهموا حقيقة الاقتصادي الكينزي (نسبة إلى جون ماينارد كينز) الذي يلعنه السيد بول. لكن وبطريقة ما، يستمر أنصار السيد بول بالزعم أنه كان محقاً في كل شيء.
ومع ذلك، وفي حين أن أنصار النظرية الأصليين لن يعترفوا أبداً أنهم كانوا مخطئين ومن خبرتي، لا أحد في العالم السياسي يعترف أبداً بأنه كان مخطئاً في أي موضوع- فإنك قد تبدأ بالاعتقاد أن وجودك بعيداً عن القاعدة حيال شيء مركزي في نظام تفكيرهم، قد تسبب بفقدان النمساويين لشعبيتهم حتى داخل الحزب الجمهوري. وفي النهاية، ومنذ عهد (الرئيس الأميركي السابق جورج) بوش، كان العديد من الجمهوريين من مؤيدي طبع المزيد من النقود أثناء انهيار الاقتصاد. وفي التقرير الاقتصادي للعام 2004 الذي أصدره بوش قال quot;السياسة النقدية الهجومية قادرة على تقليص حجم الركودquot;.
غير أن ما حدث، هو أن نظرية النقود الصلبة والهاجس من التضخم سيطر على الحزب حتى لو أن التوقعات المتعلقة بالتضخم لا تتحقق. فعلى سبيل المثال، وفي شباط الماضي، بدا النائب (الجمهوري عن ولاية تكساس) بول ريان، والذي ولسبب غير منطقي يُعتبر المفكر العميق للحزب في المسائل الاقتصادية، محتداً بوجه السيد بيرنانكي حول مدى سوء خطوة quot;خفض قيمة العملةquot; مشيراً إلى الارتفاع في اسعار المواد الاستهلاكية أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011، وإلى كون ذلك إثباتاً على أن التضخّم في طريقه إلينا أخيراً. ومنذ ذلك الوقت، انخفضت أسعار المواد الاستهلاكية، لكن لم تظهر أي مؤشرات على أن السيد ريان أو اي شخص آخر يعيدون التفكير بمواقفهم.
والآن، من غير المرجح أن يصبح رون بول رئيساً. لكن وكما قلت، فإن وثيقته الاقتصادية أصبحت في الواقع، النهج الرسمي للحزب الجمهوري، على الرغم من أن الأحداث أثبتت بشكل ساطع كم هي خاطئة. لكن ما الذي سيحدث لو وضعت فعلاً هذه النظرية قيد التطبيق؟ الركود الكبير ينادينا.

ترجمة: صلاح تقي الدين
() النيويورك تايمز