حسن مدن

مَن من العرب لا يحفظ عن ظهر قلب بيتي الشعر الشهيرين في قصيدة الشاعر الكبير أبي القاسم الشابي: ldquo;إرادة الحياةrdquo;، اللذين يبدآن بالجملة الخالدة: إذا الشعب يوماً أراد الحياة، وبالمناسبة فإن هذين البيتين غدوا جزءًا من النشيد الوطني التونسي الذي وضع بعد الاستقلال .

هل كانت المصادفة وحدها وراء كون أبي القاسم الشابي تونسياً، هل كان يهجس في قصيدته تلك بالوعود التي تنتظر بلاده الرائعة تونس، أم إنه كان يبذر نبتة الأمل لا في قلوب التونسيين وحدهم، وإنما في قلوب كل الشعوب بأن إرادة الشعب لا يمكن أن تنهزم؟

إن جذوة الرفض حتى وإن توارى لهبها، تبدو عصية على الانطفاء، لأن ما في هذا العالم الجائر من مظالم كفيل بإشعال أوارها من جديد، وربما بقوة غير مسبوقة، والاستخفاف بمصالح الناس، وأرزاقها، والإمعان في الاستحواذ على الثروات، وحرمان مستحقيها منها، لا يمكن أن ينجم عنه الاستقرار والرخاء، اللذان لا يمكن تأمينهما إلا عبر تكريس ثقافة وسلوك المساءلة التي يلزمها الحرية التي تصونها، فيضمن من يقوم بالمساءلة أنه سيعود إلى بيته سالماً ينام قرير العين .

وفي عالم اليوم فإن المساءلة المقصودة لا تتأمن إلا من خلال سلطات رقابية مسموعة الكلمة، مثل البرلمانات ذات الصلاحية ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والصحافة المستقلة، فلا يمكن النظر إلى الفقر إلا بوصفه مضاداً للديمقراطية، فلا يمكن لهامش من الحريات العامة، على أهمية ذلك، أن يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة في توزيع الثروات .

هناك من الأنظمة من تعاطى مع الشعوب كما لو كانوا مجرد رعاع، بالإمكان إخراس أصواتها إلى الأبد وحملها على قبول الأمر الواقع بكل ما فيه من مرارات وأوجه جور وعسف وتنكيل يندى منها الجبين، لكن الشعوب تُمهل ولا تهمل، فتراكمات القهر والغضب تنفجر على شكل براكين لا سبيل لتفاديها، فحتى أشد أدوات وأجهزة البطش قوة وعسفاً تقف عاجزة مغلولة الأيادي أمام إرادة الحشود الهائلة التي تندفع إلى الشارع على نحو ما رأينا ونرى في ميادين وشوارع القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المدن المصرية، لا بل والعربية أيضاً .

والسبيل لتفادي ذلك واضح: الإصغاء إلى أصوات الناس الموجوعة وتحقيق مطالبها المشروعة في الحرية والخبز، وتأمينهما ليس مستحيلاً، لو أعيد النظر في الطريقة التي تدار بها أمور الأوطان