راجح الخوري


الإصلاح في قاموس الحكم والسلطة ليس استحقاقاً متأخراً يفترض ان يصل دائماً بصوت صارخ وغاضب على ما يحدث الآن في دول عربية عدة، لكنه في معناه الحقيقي ومغزاه يفترض بالضرورة، أن يكون مبادرة من الحكم والسلطة، تتم وفق رؤية صادقة وخطة هادفة لتغيير أحوال الامة والشعب وتطوير حياة الجماعة والفرد وتجديد احساس المسؤول حيال المواطن.
والاصلاح الذي يقرع ابواب الحكام والانظمة العربية غالباً ما يكون صاخباً وغاضباً، بينما الاصلاح الذي يقرع الحكام والانظمة ابوابه ولو بأسلوب متدرج ومتأنّ ومدروس، غالباً ما يفتح ابواب السلطة على مطالب الناس وحاجاتهم من دون صخب أو غضب أو نزول الى الميادين والساحات.
اليوم يعود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الى المملكة العربية السعودية بعد غياب استمر ثلاثة اشهر تقريباً للعلاج من انزلاق غضروفي تطلّب اجراء جراحة تلتها فترة من النقاهة كما هو معروف وقد سبقته معلومات تقول انه سيعلن عن تشكيل حكومي ويستأنف حركة الاصلاحات التي كان قد بدأها.
وفي خلال هذه المدة وربما في خلال الشهر الواحد الاخير، يكاد العالم العربي ان ينقلب رأساً على عقب بعد ما جرى من انتفاضات وثورات مطالبة بالتغيير والاصلاح. فكان ما كان في تونس ومصر وما يمكن ان يكون في ليبيا والمغرب والجزائر واليمن والعراق والاردن والبحرين والحبل على الجرار كما يقال.
كذلك كان ما كان من تغيير اكراهي للتوازن النيابي في لبنان، وما نجم عنه من اسقاط لحكومة الاكثرية السابقة التي كان يرأسها الرئيس سعد الحريري، ومن تكليف للرئيس نجيب ميقاتي. كما كان ما قيل عن موضوع وقف معادلة quot;س. سquot;، التي كانت سكة سعودية ndash; سورية لمسار حل الازمة في لبنان، التي تبدو الآن اكثر صعوبة وتعقيداً لاسباب داخلية، تتصل بـquot;عرقوبيةquot; الشروط التي تكتف ميقاتي وكأنه لم يحسب لها حساباً (!) وكذلك بأسباب خارجية تتصل بدومينو الانتفاضات والثورات العربية، التي تحرم حكاماً وانظمة من القدرة على النوم او الاطمئنان ولو لمدة ساعة!


❑❑❑

ما علاقة كل هذا ببعضه البعض: عودة الملك عبد الله والتطورات العاصفة في العالم العربي وما جرى ويجري في لبنان؟
للأمر علاقة نظرية وعملية من الضروري التوقف عندها واستخلاص بعض معانيها وخصوصاً في موضوع الاصلاح. وفي هذا السياق ليس سراً ان الملك عبد الله رفع منذ تسلمه السلطة في المملكة رايتين: الوسطية والاصلاح.
❑ أولاً: الوسطية التي هي من جوهر الاسلام، وقد اعتمدها لرعاية مشروع راسخ ودائم يقوم على قواعد الحوار والابتعاد عن الغلو وينسج احسن العلاقات بين الدول العربية، فكانت انتفاضته التصالحية في قمة الكويت، وكذلك بين الاسلام والغرب، وهو ما يسهر عليه شخصياً فيهندس مؤتمرات دولية للحوار المسيحي الاسلامي. كذلك يركز على تعميق التفاهم والحوار بين السنة والشيعة لافشال كل الخطط والمحاولات، التي تريد اشعال فتنة مذهبية جارفة تحرق المنطقة كلها، وهو ما لا يعطيه البعض ما يستحق من اهتمام بل يمضي في النفخ في رياحه!
❑ ثانياً: الاصلاح وهو محور الزلزال الذي يضرب أنظمة المنطقة الآن. وفي هذا الموضوع يمكن القول ان الملك عبد الله طبّق منذ البداية مبدأ الحاكم الذي يذهب الى الاصلاح، لا الاصلاح الذي يقرع ابواب الحاكم.
وفي هذا المجال بدأ منذ عامين ونيّف سلسلة من الاجراءات الاصلاحية المدروسة والمتأنية التي تناسب كيمياء المجتمع السعودي المحافظ من جهة واجياله المطالبة بالتطوير من جهة ثانية. وقد اجرى سلسلة من الاصلاحات المهمة في التعليم والمناهج، وفي القانون وفي الاقتصاد وفي التنمية، وليس سراً انه قرر مع حكومته قبل عام ونصف عام خطة اولى للتنمية الشاملة في المملكة قيمتها 100 مليار دولار خصص قسماً مهماً منها للمنطقة الشرقية ذات الاكثرية الشيعية التي تردد دائماً انها تشكو الاهمال والحرمان والفقر.
وليس سراً ايضاً ان الاصلاح بجرعات مدروسة في السعودية يضمن قيام ارض صلبة بين السلطة والفرد، في وقت تحاول قوى اقليمية العبث بالداخل السعودي عبر quot;نوافذ حوثيةquot; في اليمن كما حصل في الحرب السادسة، والآن عبر انتفاضة الاكثرية الشيعية في البحرين، التي تقود التظاهرات ضد حكم حمد بن عيسى آل خليفة، وهو الامر الذي يكتسب حساسية وخطورة في كل دول مجلس التعاون الخليجي، وفي العالم الذي يحاذر اندلاع النار في نفط الخليج بما يؤدي الى انهيار الاقتصاد العالمي وقد تسبب بحرب عالمية. ولهذا يجب ان تخرج البحرين من العاصفة بتفاهم حقيقي مع المعارضة الشيعية على قاعدة الاصلاح واعطاء الحقوق والتوزيع العادل للفرص.
والاصلاح الذي يجريه الملك في السعودية وفق خطة متكاملة ومتواصلة يفترض ان يشكل حافزاً لدول الخليج لكي تتمكن من مواجهة الاعصار الذي يضرب الانظمة العربية. ولهذا اعلن عشية عودة الملك اليوم عن اصلاحات سيسارع الى تطبيقها لتصحيح المسار الحكومي ومعالجة ارتفاع الاسعار، والتوزيع العادل للفرص والوظائف وتفعيل انظمة المراقبة ومبدأ الثواب والعقاب.
ولكن يبقى السؤال الاساسي والجوهري المتصل بالأزمة اللبنانية التي تراوح مكانها:
هل يمكن الحديث الآن عن معادلة quot;س. سquot; وسط ذلك الزلزال الذي يضرب دول المنطقة وعشية صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وخصوصاً بعدما أعلنت الرياض رفع يدها صراحة عن هذه المعادلة؟
لا جواب واضحاً عن هذا!