خليل علي حيدر

العديد من الجماعات والأحزاب الإسلامية في العالم، تؤيد وضع الدساتير وإجراء الانتخابات وتأسيس المجالس والبرلمانات. لكنها في الأغلب لا تؤمن بالديمقراطية نهجاً، وبخاصة التعددية الليبرالية، التي نراها في أوروبا والولايات المتحدة واليابان والهند وغيرها. وهي إنْ آمنت بها حصرتها غالباً في مجال البرلمان وحده قدر المستطاع، وضيقت عليها الخناق في مجالات الحياة الأخرى كالثقافة والحريات الاجتماعية وحرية الفكر والعقيدة.
ويتميز ldquo;حزب التحريرrdquo;، من بين هذه الجماعات، بأنه الأقدم والأشد والأصرح في إعلان موقفه المعادي للديمقراطية، بل تكفيرها وربما تكفير من يؤمن بها معاً!
وبالطبع، لا يمنع هذا الرفض للديمقراطية كأداة أو فلسفة حياة، حزب التحرير أو الأخوان المسلمين أو غيرهما، من الاستفادة من الفرص الانتخابية والحرية الإعلامية والحقوق الديمقراطية والإنسانية أينما وجدت. وقد ظل التيار السلفي في الكويت مثلاً، متردداً ممتنعاً عن دخول الحياة السياسية والصراع البرلماني، منتقداً الأخوان على هذا السلوك الدنيوي المبتذل.. ثم تبنى فتوى جديدة، ودخل الحلبة السياسية بشغف، بل انقسم هو نفسه إلى تيارات!
ومن مفكري الإسلام السياسي من يدعو إلى تبني الديمقراطية داخل العمل الاسلامي.. ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي وراشد الغنوشي. ولكنها على الارجح لن تشمل ما هو اوسع من الحياة الانتخابية والصراع السياسي.
فنرى د. القرضاوي يقول ldquo;ان الذين يقولون بأن الديمقراطية منكر أو كفر، أو انها ضد الاسلام لم يعرفوا جوهر الديمقراطية، ولم يدركوا هدفها ولا القيم التي تقوم عليها.. ان الديمقراطية وصلت إلى صيغ ووسائل وأساليب وآليات معينة استطاعت بها ان تقلم اظافر الطغاة المستبدين. ان ما في الديمقراطية من مبادئ اصله عندنا، ولكن الوسائل والاساليب والآليات ليست عندنا ولا مانع إطلاقاً ان نأخذها من عند غيرنا لنحقق بها المبادئ والقيم الاساسية التي جاء بها الاسلامrdquo;. وانتقد د. القرضاوي من يرفض الديمقراطية على انها حكم الشعب بينما الاسلام حكم الله، أي الزعم بان الديمقراطية ضد حكم الله، وقال: هذا غير صحيح. فالذين يقولون بالديمقراطية لا يعارضون بالضرورة حكم الله وانما يعارضون بها حكم الفرد المطلق، أي ان المعادلة هي حكم الشعب ضد حكم الفرد المتسلط وليس حكم الشعب في مواجهة حكم اللهrdquo;.
أما الشيخ راشد الغنوشي فيقول، ldquo;يمكن للاسلام ان يستوعب النظام الديمقراطي الغربي، فيحفظ للمسلمين والبشرية ايجابياته في ما قدمه للفكر السياسي من إضافة حقيقيةrdquo;. وينفي الغنوشي وجود أي تناقض بين الآليات الديمقراطية وقيم الإسلام، وrdquo;ليس مستحيلاً ان يعمل الجهاز الديمقراطي في القيم الإسلامية فينتج الديمقراطية الاسلاميةrdquo;. ويؤكد ldquo;ان الاسلام يملك القدرة على استيعاب الصيغة الديمقراطية وترشيدها في اتجاه ان يكون حكم الشعب مستضيئاً بالقانون الإلهيrdquo;. ldquo;انظر كتاب أحمد الكاتب ldquo;نحو خلافة ديمقراطيةrdquo;، بيروت 2008، ص 229 ndash; 236.
إن موقف التيارات الإسلامية من قضية الديمقراطية قد عولج في كتب عديدة، مثل ldquo;التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطيةrdquo; للدكتور حيدر ابراهيم علي، وrdquo;الحركة الإسلامية والبرلمانrdquo; لبشير أبورمان. وقد تعكس اجتهادات د. القرضاوي والغنوشي مواقف بعض الانتقائيين الراغبين في تحديث فكر الجماعات وتوسيع نفوذ الإسلاميين داخل الطبقة المتوسطة والمتعلمين، ولكن من الخطأ الفادح اعتبار الجماعات الإسلامية قوى ديمقراطية عصرية، مهما كانت مواقف هذه التيارات الدينية من انظمة وحكومات العالم العربي والإسلامي.
ويمكن اعتبار ldquo;حزب التحريرrdquo; جماعة تكفيرية عريقة منذ ظهور الحزب عام 1952-1953، إثر نكبة فلسطين، معبراً عن غضب وحنق قطاع من شيوخ الدين والنخبة المحافظة وغيرهم، على كل ما ومَنْ تسبب في اعتقادهم، بكارثة النكبة عام 1948. فحزب ldquo;التحريرrdquo; يكفِّر دولاً وحكومات وشعوب أوروبا وأمريكا، ويكفر الرأسمالية والاشتراكية والقومية والقانون المدني، وربما كل فكر يرى أن ldquo;أصوله غير إسلاميةrdquo;.
يقول حزب ldquo;التحريرrdquo;، ldquo;الديمقراطية التي سوّقها الغرب الكافر إلى بلاد المسلمين هي نظام كفر، لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب، ولا من بعيد. وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضاً كلياً وفي الجزئيات، وفي المصدر الذي جاءت منه، والعقيدة التي انبثقت عنها، والأساس الذي قامت عليه، وفي الأفكار والأنظمة التي أتت بهاrdquo;. ويعتبر الحزب، كما يقول د. عبدالغني عماد، ldquo;أن دوائر الاستعمار لم تستطع إدخال النظام الديمقراطي إلى بعض بلاد المسلمين إلا بعد إيهام المسلمين وخداعهم بأن هذا النظام يوافق الإسلام ويطابق الشورىrdquo;. لذلك يبذل الحزب في كتبه جهداً كبيراً لبيان تناقض الإسلام والديمقراطية. فقد هاجم ldquo;النبهانيrdquo; مؤسس الحزب، الديمقراطية في مؤلفاته، فلما توفي عام 1977 وتولى الشيخ عبدالقديم يوسف زلوم (1924-2003) إمارة الحزب، وهو كذلك من خريجي الازهر ndash; 1949، جدد بدوره وأكد معارضته للديمقراطية وانتقاده لها، وكذلك ما نراه في مؤلفات ldquo;حافظ صالحrdquo;، مثل كتاب ldquo;الديمقراطية وحكم الإسلام فيهاrdquo;، الذي طبع في لاهور بباكستان أولاً عام 1985 ثم أعيد طبعه، وهو معتمد للتدريس داخل الحزب. أما الأمير الحالي للحزب فهو المهندس عطا خليل ابو الرشتة، ابو ياسين، وهو من مواليد الخليل سنة 1943، وحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة من جامعة القاهرة عام 1966. وكان الناطق الرسمي السابق في الأردن لحزب التحرير.
والآن، ما هي الاختلافات التي يراها ldquo;حزب التحريرrdquo; بين مبادئ الإسلام والديمقراطية تفصيلاً؟
الديمقراطية، تقول كتب الحزب، نظام وضعي بشري تأسس على عقيدة فصل الدين عن الحياة، بينما الإسلام هو النظام الذي أوحى به الله إلى رسوله. والديمقراطية تجعل السيادة للشرع لا للأمة، والله هو وحده المشرع في الإسلام. والقيادة في الديمقراطية جماعية، يؤثر فيها الوزراء ونواب البرلمان، بينما هي في الإسلام فردية، والوزراء معاونون للخليفة فقط. واستفتاء الشعب في النظام الديمقراطي واجب، بينما هو في الإسلام، كما يقول حزب ldquo;التحريرrdquo;، ليس واجباً، لأن الشورى من المباحات، وهي مُعْلمة وليست ملزمة للخليفة. وبينما تلتزم الحكومة في النظام الديمقراطي برأي الأكثرية وتشريعها، لا يرجح رأي الأكثرية، في الإسلام، كل القضايا والمسائل.
أما مسألة الحريات فهي مصدر الفساد ومنبع الظلم والطغيان برأي حزب التحرير، فالحرية عنده تعني ldquo;الانحدار إلى درك الحيوانrdquo; وهي تتناقض مع الأساس الذي جاء به الإسلام ويقضي بأن يكون المسلم عبداً لله تعالى. ومن كمال العبودية أن يطيع العبد أوامر المعبود. وصفة العبودية هذه تتنافى مع ممارسة السيادة دون ضغط وإكراه التي تبشر بها الديمقراطية.
والحريات العامة التي تتلخص بحرية الاعتقاد، فهذه، يقول الحزب، تتناقض مع الإسلام، لأنها تعني أن يعتقد الإنسان ما شاء وأن يتخلى عن عقيدته أو يلحد متى يشاء. وrdquo;حرية الرأيrdquo; وتعني أن يمارس الإنسان إرادته في نقض أو نقد أي رأي يخالف عقله أو هواه، وليس لأحد الحق بمنعه من ذلك. وهذا يناقض عقيدة الإسلام التي يجب أن يكون أي رأي منبثقاً منها. وrdquo;الحرية الشخصيةrdquo;، وهي شر البلاء، فهل هناك أسوأ من أن نترك للإنسان أن يتخذ إلهه هواه، ينطلق من زاوية واحدة وهي اشباع كافة رغباته الجسدية دون أدنى اعتبار أو التزام.
وهكذا، فالحرية والديمقراطية كفر وظلم وفسق.