إيلاف من لندن: وسط الحقول الهادئة في شروبشاير بالمملكة المتحدة، يوجد مختبر صغير يحمل سرًا علميًا كبيرًا. من هنا تبدأ رحلة بعض الحيوانات الأليفة الأكثر خصوصية في العالم. هذا المكان هو "جيميني جينيتكس"، الشركة التي تلعب دور الوسيط في واحدة من أكثر التقنيات إثارة للجدل في عالم البيولوجيا: استنساخ الحيوانات الأليفة.
عندما ترى الكلب "جم"، ربما لن تلاحظ أي شيء غير عادي. إنه كلب كوكر سبانيل نشيط، دائم الابتسامة، يمسك بلعبته المفضلة في فمه. لكن "جم" ليس كلبًا عاديًا، بل هو نسخة مستنسخة من كلب آخر، ويمثل أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا التي بدأت منذ عام 1996 مع النعجة "دولي"، أول حيوان مستنسخ من خلية بالغة.
ومنذ ذلك الحين، شهد العالم توسعًا في استخدام هذه التكنولوجيا. من "سنابي"، كلب الصيد الأفغاني، إلى الخنازير، والفئران، وحتى القرود، استمر الباحثون في تجربة استنساخ أنواع متعددة.
واليوم، تحول الاستنساخ إلى سوق تجاري يشمل الحيوانات الأليفة، مثل "جم".
استنساخ الحيوانات: من المختبر إلى السوق
بدأت قصة الاستنساخ مع جهود بحثية، لكنها سرعان ما شقت طريقها إلى السوق التجارية. واليوم، أصبح استنساخ الحيوانات الأليفة ظاهرة مزدهرة، خصوصًا في الولايات المتحدة، حيث يتعامل بعض المشاهير، مثل باربرا سترايسند وباريس هيلتون، مع هذا التوجه لاستعادة رفاقهم المفقودين.
لكن في المملكة المتحدة، القوانين صارمة: استنساخ الحيوانات محظور إلا للأغراض البحثية، وبموافقة من وزارة الداخلية. لذلك، تعمل "جيميني جينيتكس" كحلقة وصل؛ إذ تجمع العينات النسيجية من الحيوانات الأليفة، وتقوم بتجميدها في درجة حرارة -196 مئوية، قبل أن تُرسلها إلى شركة "فياغين" الأميركية لإجراء عملية الاستنساخ.
تدير "لوسي مورغان" شركة "جيميني جينيتكس" في شروبشاير بالمملكة المتحدة، وتقول: "نتلقى صورًا وقصصًا من العملاء، لكن رؤية حيوان مستنسخ من عينة قمنا بجمعها، يجعل التجربة فريدة". ورغم أن "جيميني جينيتكس" لا تقوم بالاستنساخ محليًا، إلا أنها تعمل على تجميد الخلايا وشحنها إلى الولايات المتحدة حيث يتم تنفيذ العملية.
وقد تعاونت الشركة حتى الآن في استنساخ نحو 30 حيوانًا.
كيف يتم الاستنساخ؟
تبدأ العملية بأخذ عينة نسيجية صغيرة من الحيوان، سواء كان حيًا أو متوفيًا. يتم تحليل العينة في المختبر للتأكد من صلاحية الحمض النووي، ثم تُحفظ في ظروف خاصة حتى يحين وقت إرسالها إلى الولايات المتحدة.
هناك، تُنفذ عملية معقدة تُعرف بنقل النواة من الخلية الجسدية (SCNT). يتم أخذ بويضة من أنثى متبرعة وإزالة نواتها، ثم تُدمج نواة خلية الحيوان الأصلي مع البويضة. باستخدام نبضة كهربائية، تبدأ البويضة في التطور كجنين يُزرع في رحم أم بديلة حتى الولادة.
النتيجة؟ نسخة جينية طبق الأصل من الحيوان الأصلي، لكنها ليست بالضرورة نسخة في الشخصية أو السلوك.
الأسعار والآثار
تُعد العملية مكلفة للغاية. يكلف استنساخ كلب أو قطة حوالي 50,000 دولار، بينما تصل تكلفة استنساخ حصان إلى 85,000 دولار. بالإضافة إلى رسوم حفظ العينات التي تبلغ 1,600 جنيه إسترليني، مع رسوم شهرية للتخزين.
ورغم هذه التكلفة، هناك اهتمام متزايد من العملاء، الذين يبحثون عن استنساخ حيواناتهم الأليفة، سواء بسبب ارتباط عاطفي أو لأسباب تجارية. فعلى سبيل المثال، تم استنساخ الحصان الشهير "جم تويست"، الذي كان غير قادر على الإنجاب كونه مخصيًا، لإنتاج نسخ قادرة على نقل جيناته إلى الأجيال القادمة.
تحديات أخلاقية وعلمية
على الرغم من الإعجاب بالتقدم العلمي، يثير استنساخ الحيوانات قضايا أخلاقية كبيرة. يقول الدكتور روبين لوفل-بادج، رئيس قسم بيولوجيا الخلايا الجذعية وعلم الوراثة التنموية في معهد فرانسيس كريك بلندن: "لا يمكن استنساخ الروح أو الشخصية".
ويعتبر لوفل-بادج من أبرز الأصوات العلمية التي تتناول استنساخ الحيوانات بوجهات نظر متوازنة بين الجوانب العلمية والأخلاقية. في حديثه حول استنساخ الحيوانات الأليفة، يوضح لوفل-بادج أن التقنية، رغم إمكانياتها، ليست حلاً مثالياً لاستبدال الحيوانات التي تعني الكثير لأصحابها.
يقول لوفل-بادج: "الاستنساخ ليس أداة لاستعادة الحياة أو الروح. الكلب المستنسخ، أو أي حيوان آخر، هو نسخة جينية مطابقة، لكنه لن يكون أبدًا استنساخًا للشخصية أو السلوك". ويشير إلى أن السلوكيات والمظاهر الخارجية للحيوانات تعتمد على عوامل بيئية وتجارب حياتية لا يمكن تكرارها، مما يجعل الحيوان المستنسخ مختلفًا في كثير من النواحي عن الحيوان الأصلي.
ويرى لوفل-بادج أن هناك مبررات علمية وجيهة لاستخدام تقنية الاستنساخ، خصوصًا في حالات البحث العلمي أو تحسين الإنتاجية في الحيوانات المخصصة للزراعة. يقول: "يمكن أن يكون الاستنساخ مفيدًا في تقليل التباين بين الحيوانات المستخدمة في التجارب البحثية، أو في حالة استنساخ الحيوانات ذات الإنتاجية العالية من الحليب أو اللحوم".
يضيف أن استنساخ الحيوانات ذات المهارات المتميزة – مثل الكلاب البوليسية أو خيول السباق – قد يساهم في استمرار هذه الصفات النادرة. ومع ذلك، يؤكد أن مثل هذه الاستخدامات يجب أن تكون مدروسة بعناية لضمان عدم الإضرار بالحيوانات أو البيئة.
أما عندما يتعلق الأمر باستخدام الاستنساخ لاستعادة الحيوانات الأليفة المحبوبة، يتخذ لوفل-بادج موقفًا معارضًا. يقول: "التعلق العاطفي بحيوان أليف مفقود أمر مفهوم، لكنه لا يبرر استخدام تقنية معقدة ومثيرة للجدل مثل الاستنساخ. البحث عن حيوان جديد قد يكون فرصة لبناء علاقة جديدة ومميزة".
ويضيف: "بدلاً من محاولة استنساخ حيوان فقدناه، لماذا لا نعطي فرصة لحيوان آخر يحتاج إلى الحب والرعاية؟ هناك الكثير من الحيوانات التي تبحث عن مأوى وعائلة تمنحها فرصة جديدة للحياة".
يشدد لوفل-بادج على أن استنساخ الحيوانات يثير أسئلة أخلاقية كبيرة تتعلق برفاهية الحيوانات المستخدمة في العملية. "عملية الاستنساخ نفسها تتطلب استخدام عدد كبير من البويضات، وغالبًا ما يتم الحصول عليها من إناث حيوانات تتعرض لإجراءات جراحية مؤلمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن نسبة نجاح العملية منخفضة نسبيًا، مما يعني أن عددًا كبيرًا من الأجنة المستنسخة لا يصل إلى الولادة أو يولد مع عيوب خلقية".
كما يشير إلى التحديات المتعلقة باستخدام الأمهات البديلة في حمل الأجنة المستنسخة. "الأمهات البديلة غالبًا ما تتحمل أعباء الحمل والولادة دون اعتبار كافٍ لرفاهيتهن. هذه الاعتبارات يجب أن تكون في صميم أي نقاش حول توسيع نطاق استخدام الاستنساخ".
على الرغم من التحفظات، يرى لوفل-بادج أن الاستنساخ يمكن أن يكون له دور في حماية الأنواع المهددة بالانقراض. "هناك إمكانية لاستخدام الاستنساخ كأداة لحفظ التنوع البيولوجي، لكن هذا يتطلب إطارًا أخلاقيًا صارمًا وتنظيمًا دقيقًا لضمان عدم إساءة استخدام التقنية."
في نهاية حديثه، يؤكد لوفل-بادج: "التكنولوجيا أداة قوية، لكنها تحتاج إلى توجيه حكيم. علينا أن نطرح السؤال الأكبر: متى يكون استخدام العلم مبررًا؟ ومتى ينبغي علينا التوقف؟".
من جانبها، ترى الدكتورة جوانا إلسكا من نادي "كينيل" البريطاني أن فقدان حيوان أليف هو تجربة مؤلمة، لكن اللجوء إلى الاستنساخ قد يثير مشاكل كبيرة تتعلق برفاهية الحيوانات المشاركة في العملية.
مستقبل الاستنساخ
رغم الانتقادات، تقول "مورغان"، مديرة "جيميني جينيتكس"، إن التقنية قد تلعب دورًا مهمًا في حماية الأنواع المهددة بالانقراض. بالفعل، قامت "فياغين" باستنساخ النمس أسود القدم، وهو نوع مهدد بالانقراض.
لكن هل ستتغير القوانين في المملكة المتحدة للسماح بهذه التقنية تجاريًا؟ تبقى الإجابة على هذا السؤال معلقة، لكن من المؤكد أن النقاش حول استنساخ الحيوانات سيستمر في إثارة الجدل بين العلم والأخلاق.
*أعدت إيلاف التقرير عن "الغارديان": المصدر
التعليقات