محمد آل بن علي

العمل السياسي‮ ‬الذي‮ ‬يبتعد عن الثوابت الوطنية‮ ‬يكتب له الفشل الذريع طال الزمن أو قصر،‮ ‬فالثوابت الوطنية‮ -‬من ميثاق وطني‮ ‬ودستور وأعراف وتقاليد سائدة في‮ ‬المجتمع وقيم دينية ومقومات سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية‮- ‬هي‮ ‬قواعد صلبة مهما كان فكر ومنهجية العمل السياسي‮.‬ ومن المؤكد أن تنظيمات المجتمع المدني‮ ‬التي‮ ‬تعمل خارج الثوابت الوطنية سرعان ما تضع نفسها في‮ ‬مأزق سياسي،‮ ‬وجنائي‮ ‬أحياناً،‮ ‬وتصدر لنفسها شهادة الوفاة في‮ ‬العمل السياسي‮ ‬والإنساني،‮ ‬بسبب الخروج على القيم والمبادئ الأساسية التاريخية في‮ ‬حياة المجتمع،‮ ‬كما إن صيانة الثوابت الوطنية وحمايتها أسمى من القيم والمبادئ الديمقراطية إذا ما مست هذه المبادئ العمل السياسي‮ ‬واستقرار المجتمع‮.‬ والمتابع للشأن السياسي‮ ‬في‮ ‬مملكة البحرين،‮ ‬سيلاحظ أن الأحداث التي‮ ‬مرت خلال الأيام الماضية من تحريض وتخريب كان هدفها ضرب الثواب الوطنية داخل الشعب بمختلف طوائفه،‮ ‬وتمزيقه من خلال تشريح فكره السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬والثقافي‮ ‬والديني‮ ‬على أساس مذهبي،‮ ‬يطالب بتغليب كفة العمل السياسي‮ ''‬طائفياً‮'' ‬وليس من منظور المصير والمصالح المشتركة لشعب واحد‮ ‬يلتف حول قيادته،‮ ‬وينصحها في‮ ‬الوقت نفسه،‮ ‬متمسكاً‮ ‬بمطالبه المشروعة‮.‬ هذا الفكر السياسي‮ ‬المنحرف‮ ‬يحمل اتجاهاً‮ ‬ديكتاتورياً‮ ‬وليس ديمقراطياً،‮ ‬إذ‮ ‬يغلب رأي‮ ‬طائفة على طائفة بالقوة وهذا توجه‮ ‬يضرب ثوابت التعايش الوطني،‮ ‬كما إنه‮ ‬يخدم بالأساس أجندة خارجية بتبعيته لصالح إيران‮.‬ وأذكر أنه في‮ ‬التسعينات رفعت المعارضة شعار‮ ''‬الحل في‮ ‬البرلمان‮'' ‬وكان منها من رفع شعار‮ ''‬الموت لآل خليفة‮'' ‬الذي‮ ‬ردده هذه الأيام خدام أجندة خارجية وأعداء ثوابت الوحدة الوطنية البحرينية،‮ ‬التي‮ ‬ترتكز في‮ ‬قوتها على التعايش السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬بين السنة والشيعة،‮ ‬والشعار الأخير صوره البعض كما لو كان مطلباً‮ ‬لكل الطائفة الشيعية،‮ ‬ولكنه من أجل الإساءة لهذه الطائفة وخلق توتر بين الطائفتين والوصول إلى صدام فكري‮ ‬في‮ ‬ظاهرة سياسية تخفي‮ ‬وراءها تحقيق الانقسام،‮ ‬ومن ثم التقاتل وتبرير التدخل الإيراني‮ ‬العلني‮ ‬في‮ ‬البحرين،‮ ‬ولكن العقلاء والحكماء في‮ ‬الطائفتين والنظام السياسي‮ ‬تنبها لهذا الخطر الطائفي‮ ‬وتمكنوا من صده في‮ ‬تلك الفترة،‮ ‬إلا أن الأجندة لم تنته بعد،‮ ‬ولم تهدأ،‮ ‬بل استغلت ظروف الانفتاح السياسي‮ ‬في‮ ‬مشروع الإصلاح الوطني‮ ‬وأكثرت من خدامها وعملائها على أرض الوطن،‮ ‬الذين تحركوا بكل أريحية إلى أن لاحت الفرصة مجدداً‮ ‬لضرب ثوابت التعايش والتسامح الوطني،‮ ‬ولكن من خلال خطوات مدروسة،‮ ‬الأولى‮: ‬هي‮ ‬إثارة وعي‮ ‬مغلوط لدى الشباب والنشء الشيعي‮ ‬بأن دستور‮ ‬2002‮ ‬خالف الميثاق الوطني‮ ‬الذي‮ ‬أجمع عليه شعب البحرين في‮ ‬الصلاحيات التي‮ ‬منحها لمجلس الشورى‮.. ‬ومن ثم كانت المقاطعة السياسية في‮ ‬انتخابات‮ ‬2002‮ ‬وإرباك العمل السياسي‮ ‬لأن التصويت على ميثاق العمل الوطني‮ ‬بنسبة‮ ‬4‭,‬98٪‮ ‬كان صدمة للجهة الخارجية‮.‬ وكانت الخطوة التالية أن أوحت الأجهزة الخارجية لعملائها بأن‮ ‬يشاركوا في‮ ‬العملية السياسية للعمل على إفشال الحراك السياسي‮ ‬لإرادة الشعب تحت قبة البرلمان،‮ ‬وأن تكون هناك أجنحة تخريبية تعمل طوال الوقت على ارتكاب جرائم للإخلال بالأمن وضرب الاقتصاد الوطني،‮ ‬ومع ذلك فشلت الأجندة واستمرت الحياة وفق الثوابت الوطنية للشعب البحريني‮ ‬سنة وشيعة وقيادة‮.‬ لا شك أن الصدمة،‮ ‬وعدم قدرتهم على تنفيذ تلك الأجندة في‮ ‬ضرب الثوابت الوطنية،‮ ‬جعلتهم‮ ‬يتخذون من أحداث تونس ومصر فرصة ومثالاً‮ ‬للتطبيق في‮ ‬البحرين،‮ ‬رغم اختلاف الظروف كلياً‮ ‬وجزئياً،‮ ‬فالنتائج التي‮ ‬تحققت في‮ ‬كلتا الدولتين تمت بدعم دولي‮ ‬ووفق ظروف مواتية داخلياً،‮ ‬وإجماع شعبي‮ ‬على إسقاط النظام أو تغييره،‮ ‬لكن التعليمات للعملاء لم تأخذ في‮ ‬حساباتها المناخ الدولي‮ ‬والإقليمي‮ ‬وظنت أنه مهيأ لاستنساخ ما حدث في‮ ‬مصر وتونس،‮ ‬فاتخذت الخطوات التالية‮:‬ ‮ ‬أولاً‮: ‬بدأت بشعار‮ ''‬إصلاح النظام فيما‮ ‬يخص قضايا الشأن العام من سكن،‮ ‬توظيف،‮ ‬معيشة‮..‬إلخ،‮ ‬مع الالتزام بميدان للاحتجاجات وسلميتها ليكون منبراً‮ ‬لصوت المحتجين أمام العالم،‮ ‬وتم ذلك دون أن تؤسس في‮ ‬وعي‮ ‬الشباب والنشء الشيعي‮ ‬طريقة الاحتجاجات السلمية،‮ ‬فسيطر فكر الكراهية والعنف على احتجاجات المتظاهرين وخلق تصادماً‮ ‬مع قوات الأمن‮.‬ ثانياً‮: ‬قبل أن تستيقظ القوى العميلة من صدمة هذا الفشل أعلن النظام السياسي‮ ‬استعداده للحوار الوطني‮ ‬في‮ ‬كل قضايا الشأن العام ليميط اللثام عن أوجه العملاء،‮ ‬واعتقدت الأجهزة الاستخباراتية أن النظام السياسي‮ ‬والشعبي‮ ‬البحريني‮ ‬في‮ ‬ضعف حينما طرح الحوار،‮ ‬فصدرت التعليمات للعملاء لإعلاء سقف المطالب،‮ ‬ووضع شروط تعجيزية،‮ ‬بل مستحيلة،‮ ‬للحوار،‮ ‬وخاصة بعد أن فوجئوا أن السنة رفعوا مطالب تقترب من مطالب المحتجين المعيشية والسياسية،‮ ‬وعندما أعلن ولي‮ ‬العهد أمام العالم أن كل المواضيع قابلة للنقاش على طاولة الحوار الوطني،‮ ‬والشروط الأولى تم تنفيذها‮ (‬انسحاب الجيش وقوات الأمن العام‮)‬،‮ ‬استمر التصعيد في‮ ‬الشروط وظلت إيران‮ ‬غير منتبهة إلى أن عملاءها أسسوا جيلاً‮ ‬لا‮ ‬يعرف سوى لغة الكراهية والعنف،‮ ‬فعمد كثير منهم إلى تعطيل المرافق الإنسانية‮ (‬الصحة والتعليم‮) ‬والتصادم الطائفي‮ ‬في‮ ‬المدارس والجامعات والقرى والمدن،‮ ‬بما‮ ‬يعني‮ ''‬ثورة لانقلاب طائفي‮'' ‬ظهرت دلائله في‮ ‬شعار‮ ''‬يسقط النظام‮'' ‬وهتاف‮ ''‬ارحلوا‮'' ‬الموجه للسنة والعائلة الحاكمة‮.‬ لقد أساءت هذه الأجندة الخارجية في‮ ‬البحرين للطائفة الشيعية الكريمة،‮ ‬ووضعت الحراك السياسي‮ ‬لعملائها في‮ ‬مأزق حقيقي‮ ‬أمام الرأي‮ ‬العام الداخلي‮ ‬والخارجي،‮ ‬وعلى الطائفة الشيعية أن تنصر نفسها في‮ ‬ثوابتها الوطنية الاجتماعية والسياسية مع إخوانهم السنة الذين عاشوا وتعايشوا وتصاهروا مع بعضهم البعض منذ فجر الإسلام،‮ ‬فلا تتركوا أحداً‮ ‬يخرج ثوابتكم الوطنية من عقولكم،‮ ‬ولا‮ ‬يخلع عنكم عباءتكم الإسلامية على أساس مذهبي‮.. ‬كلمتنا في‮ ‬الإسلام واحدة‮ (‬أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً‮ ‬رسول الله‮) ‬وقبلتنا‮ (‬الكعبة الشريفة‮) ‬وليست ولاية الفقيه